رسالة …
علي جبل
رسالة
قصة قصيرة
علي جبل
……..
في مساء ليلة شِتوية عاصفة، يجلس شارِدا مُشَتَت الفكر، تُؤرقه ذكرياته التي ملأت كامل عقله، وسيطرت على وجدانه، واعتملت في صدره حتى جاشت مشاعره بفيض من الألم والحسرة. أخذته قدماه إلى غرفة ابنه الجامعي للاطمئنان عليه فلم يجده، جلس على طاولته، اتكأ على أريكته، استرخى قليلا، عاد بشريط ذكرياته للخلف، بدأ يُتمتم بكلام غير مفهوم. تذكر كيف قتل زميله- لخلاف بسيط في الرأي حدث بينهما- برصاصة في رأسه،ثم أخفى معالم جريمته، واستولى على جميع ممتلكاته. وكيف أنه أخفى ورقة مهمة من مكتب رئيسه بالعمل أُدين على أثرها بالإهمال ثم فُصِل من عمله فأخذ مكانه. بدأت الذكريات تتوالى تِباعا حتى ضَجَّت أذناه بوابل من الذكريات المؤلمة التي أرهقت قلبه، وأدمت نفسه حسرة ووجعا.
وقف عقله على باب الماضي مُسترجعا كل أعماله وكأنه في لحظة الحساب. دخل في نوبة عميقة من الشرود والتشتت الذهني، تاهت منه الكلمات، واختلطت معه الذكريات، حتى وجد نفسه يركض وحيدا في غابة كالليل المظلم تملؤها جذوع الأشجار المتفحمة والأوراق الذابلة من حريق قد أصابها. بينما هو على حالته هذه إذ بجمجمةٍ تتدحرج أمامه تصطدم بقدمه، يخرج منها أذرع جيلاتينية رخوة تشبه أذرع الأخطبوط، أحاطت بكل أنحاء جسده. يَرتجف رعبا، تجذبه الجمجمة تجاه مكان يُشبه الكهف داخل الغابة المظلمة. يُبدي مقاومة كبيرة، يشُدها للخلف، وتسحبه للأمام، يسمع صرخات وأنَّات لأُناس يعرفهم جيدا، تداخلت أصواتهم مع صفير الرياح، ونعيق الغربان. اقترب جدا من باب الكهف، تكاثرت حوله الجماجم، أحكمت أذرعها حول عنقه حتى كادت أن تخنقه، حاول التملص منها، لم يستطع فكاكا. سحبوه داخل الكهف. يشعر بأنفاس لاهثة لا يعرف مصدرها، صُعِق من هَولِ ما رأى، يصرخ ولا يسمعه أحد، تملكته مشاعر الندم والحسرة. تمنى لو عادت به الأيام لفرَّ مِن ذكرياته فِراره من الأسد. أُغلِق عليه باب الكهف بإحكام حتى أصبح ظلاما دامسا. يُحَملِق في باب الكهف من الداخل، وإذ بشاشة كبيرة مُثَبتة عليه تعرض شريطا من الذكريات، أحس وكأنه شريط كامل لكل ذكرياته. عبس وتولى بعيدا، تبرأ منها اقتربت منه، حاصرته من كل جانب، حتى أمسك به رجلان بنيتاهما قوية، توسل إليهما أن يبتعدا عنه ويتركاه، لم يمتثلا لكل توسلاته. وفجأة يظهر حيوان ضخم الجثة يملأ الشاشة، أسود اللون، رأسه كبير، أنيابه طويلة، تنتهي يداه بمخالب قوية كالحديد، ظهره عريض مُمتد، وذنبه طويل كخرطوم الفيل.انقض عليه للفتك به. ظل يصرخ ويستغيث، واضعا يديه على عينيه، ثم رقبته. سمع الإبن صراخ أبيه، عاد سريعا من الشرفة، حاول أن يهدئ من روعه، لم يستطع، هزه يمينا ويسارا دون جدوى. وأخيرا انتبه الولد فقام بنزع النظارة (الثرى دى) من على عينيه. حينها هدأ الأب وعاد إلى وعيه من جديد.
انتهت.
التعليقات مغلقة.