رُبع ساعة
محمد كمال سالم
القاص والأديب المبدع محمد كمال سالم في سطور : مدير القطاع الثقافي بجريدة علي بابِ مِصرَ. و عضو اللجنة الثقافية لملتقي الأدباء والمثقفين العرب.
خريج جامعة الأزهر،كلية أصول الدين.
نشأ في قلب العاصمة الفاطمية
و نشر في الكثير من الصحف و المجلات الأدبية وله عدة لقاءات إذاعية
صدرت له مجموعة قصصية مميزة تسمى “كل الفضاء “
يتميز أسلوبه بخلط رفيع بين الواقع و الفنتازيا يسلط من خلاله الضوء على الكثير من المشكلات المجتمعية بكل سلاسة و يسر و رشاقة
إليكم إحدى نصوصه الرائعة :
فى ميدان باب الخلق ،يقال أن صحيح التسمية باب الخَرق، نسبةً إلي خَرق خرقهُ المماليك، فى سور القاهرة القديمة،للهرب من مذبحة القلعة الشهيرة، وميدان باب الخلق، هو مفترق شارعين هما،، شارع محمد علي المؤدي الى قلعة صلاح الدين، وشارع بورسعيد ( ألخليج سابقاً ) وأهم ما يميز هذا الميدان ،مديرية أمن القاهرة ودار الكتب القديمة، التى أصبحت فيما بعد المتحف الإسلامي، لروعة بنايتها وزخرفها الإسلامي الفريد وسياجها الحديدي المشغول بمهارة.
وسرُ انبهاري أنا كطفل لم يتجاوز السابعة في هذا الميدان، هذا الرُبان الذي يحتل ناصية هذا السياج فى زهو، وسط مركباته زاهية الألوان، بإطارتها النيكل كروم اللامعة، تجوب جغرافيا المكان في نشاط لا يهدأ وعيناه الياقظتان ،في رقابة صارمة لساعة يده ،،ولكل مركبة تتأخر .
وأسطوله العظيم هذا،،يدغدغ أصحاب القلوب الواهنة أمثالي. أعود إلي البيت، أبكي غاضباً أضرب الأرض بقدمي الصغيريتين ساخطاً ( ماليش دعوه ،أنا عايز عجله ) يأخذني أخي الأكبر من حضن أمي المهدهدة، وينتحى بى جانباً ،يحدثنى فى هدوء:
نحن ستة من الابناء،،والحرب،، والحصار الاقتصادى،،ودكان بابا ،والركود.
أنا لا أسمعه ،،أنا أصنع كل ألعابي من الكرتون المقوى!!!
هل أصنع عجلة من الورق ؟! وادخرت مصروفي وعند عودتي من المدرسة،، ألقيت مصروفي فى يد رُبان الأسطول العظيم ورهِنت شنطة كُتبي عنده ، ومنحنى إحدى مركباته ( عجلة من ام تلاته) ونظر في عظيم نقودي، وفي ساعته وقال لي آمراً ( يالا،،،،رُبع ساعه ) ركبتها في نشوة،وملأت صدري بالهواء،،ولسان حالي يقول :
تباً للحرب ،،تباً للحصار الإقتصادي،، تباً لأخى الأكبر. وانطلقت كالصاروخ.
من أجل هذا الحرمان !
أتيت لأول أبنائي بكل شىء، قبل أن يعي شىء،، غرفته ،،سريره الخاص ،،مكتبه ،،العابه كلها ،،وأبني يتعلم سريعاً ،ويمل سريعاً، ويهمل ألعابه فألعب بها أنا وأسكن غرفته بين ألعابه، وبين سخط أمه واندهاشها !
وقبل أن يطلب وأن يضرب الأرض بقدميه الصغيرتين ساخطاً،،أتيت له بعجلة” كبيرة ” أهملها سريعاً،،رغم أنه يوم أن إشتريتها له،، أصر وبكى: لابد أن أركبها الآن .
باءت كل محاولاتي لإقناعه بالفشل، بأنه لابد أن يتعلم عليها أولا ً، كى لا يقع او يصيبه مكروه، وتحت إصراره وبكائه المستمر،،طاوعته وأسندت العجلة الرصيف وحملته، وضعته علي كرسيها برفق ،،وما أن هممت أن أعاونه، على السير بها فى هدوء،،حتى وضع قدماه علي بدالها، وانطلق من بين يدي كالصاروخ ،،وسط جحافل الناس، بين أسراب السيارات المنطلقه فى سرعة، غير عابئة بما يجرى لى!! شببت علي أطراف أصابعي،، أراقبه فى هول، وهو يترنح يميناً ويساراً وأنخلع فؤادى، وكاد أن يغشى علي.
ولما أفقت ،،لم ادري ماذا كان مصير العجلة ام تلاتة ؟! وأين ذهبت شنطة كتبي ؟!
وأخى الأكبر يحملنى بين يديه مخضب فى دمائي معصوب الرأس أتألم فى مستشفى أحمد ماهر .
التعليقات مغلقة.