زراعة الأعضاء أين نقف؟!!
د.أحمد دبيان
داعبت فكرة نقل الأعضاء خيال البشر منذ فترة طويلة نسبيًا ،ونجحت تلك الفكرة في ظل توفر مهارات جراحية ظهرت قبل فترة طويلة من إدراك مفهوم معدلات البقاء على قيد الحياة بعد الجراحة. وكانت المشكلات الرئيسية وثيقة الصلة بهذا الموضوع، وما زالت، وربما ستظل هي فكرة رفض الجسم للعضو المزروع، فضلاً عن الآثار الجانبية لمحاولة تفادي هذا الرفض (وخاصة مشكلتي العدوى واعتلال الكلى).
جدير بالذكر أن هناك عدة تقارير مشكوك في صحتها تشير إلى عمليات زراعة أعضاء أجريت قبل عصر الإنجازات والتطورات العلمية اللازمة لإجراء مثل هذه العمليات على أرض الواقع. وتشير هذه التقارير إلى أن الطبيب الصيني بيان شياو قد أجرى عملية تبادل قلبين بين رجل يتمتع بشخصية قوية ولكنه ضعيف الإرادة ورجل ذي شخصية ضعيفة ولكنه قوى الشكيمة، وذلك في محاولة منه لتحقيق التوازن عند كل رجل. وتشير روايات عن الروم الكاثوليك تعود إلى القرن الثالث الميلادي إلى قيام القسيسين دميان وقزماس الذين عاشا في القرن الثالث الميلادي باستبدال قدم الشماس الروماني جستنيان المصابة بالغرغرينا بقدم إثيوبي متوفى حديثًا. ويظهر القساوسة في معظم الروايات وهم يجرون عمليات زراعة الأعضاء في القرن الرابع، بعد عقود من وفاتهم؛ ويظهرون في مشاهد أخرى وهم يلقون بالتعليمات فقط للجراحين الأحياء الذين يقومون بالمهمة.
المشكلة الاساسية فى نقل الأعضاء هو توافر الأعضاء ذاتها.
في الولايات المتحدة، تقوم إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية (FDA) بتنظيم عمليات زراعة الأنسجة، حيث تضع لوائح صارمة لتأمين هذه العمليات، وهي تهدف في المقام الأول إلى الوقاية من انتشار الأمراض المعدية. وتشمل اللوائح المعايير اللازمة لفحص واختبار المتبرع، فضلاً عن اللوائح الصارمة الخاصة بتجهيز وتوزيع وسائل حفظ الأنسجة. غير أن إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية لا تنظم عمليات زراعة الأعضاء.
يعد طب زراعة الأعضاء واحدًا من أكثر مجالات الطب الحديث صعوبةً وتعقيدًا. وتتمثل بعض أبرز جوانب الإدارة الطبية لعمليات زراعة الأعضاء في مشكلات رفض الجسم للعضو المزروع، وفيها يكون لدى الجسم استجابة مناعية مضادة للعضو المزروع، مما قد يؤدي إلى فشل عملية زراعته في الجسم، ومن ثم ضرورة إزالة العضو المزروع من جسد المتلقي على الفور. وفي هذا الشأن، يجب تخفيض عدد حالات الرفض قدر الإمكان وذلك من خلال الاختبارات المتعلقة بمقاومة الأمصال وتوافق الأنسجة لتحديد المتلقي الأمثل لكل متبرع، بالإضافة إلى استخدام أدوية مثبطة للمناعة.
هذا وتعاني معظم الدول من عجز في عدد الأعضاء المتوفرة التي يمكن استخدامها في عمليات زراعة الأعضاء. غالبًا ما تتمتع الدول بوجود هيئات رسمية تتمثل مهمتها في إدارة عملية تحديد الشروط الواجب توافرها في المتبرعين، إلى جانب ترتيب أولوية المتلقين للأعضاء المتوفرة.
المصدر الوحيد حالياً لزراعة الأعضاء ومع محدودية التطور والاستمرارية والشيخوخة المبكرة فى ال
Cloning
للأعضاء المختلفة هو أعضاء من أجساد توفت حديثاً ،
ولتعريف الوفاة وتطور تعريفاتها ، هناك الوفاة بالمفهوم العام الشعبوى والدينى سابقا وهو توقف القلب والتنفس ،
وهناك الوفاة السريرية او الإكلينيكية والتى تعنى توقف نشاطات وانعكاسات جذع المخ ،
ولتشخيصها يتم فحص المريض المتوفى سريريا من قبل استشاريين من تخصصات
المخ والأعصاب وجراحاتها والعناية المركزة ،
فى معظم بروتوكولات الدول يكتفى بطبيبين وفى بعض البلدان يشترط وجود تقارير فحصي لثلاثة أطباء وفحص المريض
ثلاث مرات مع تسجيل كل واحد منهم مشاهداته بمعزل عن الآخر وفى أوقات مختلفة .
يتم فحص انعكاسات جذع المخ بفحص انعكاسات القرنية ووضع ماء بارد فى الأذنين وقياس رد فعل اتجاه العين ، وأخيراً تحريك الرقبة ومشاهدة وجود تحرك حدقة العين ،
للتأكيد على وفاة المخ وغياب اى نشاط كهربائى يتم عمل تخطيط لكهرباء الدماغ وغياب اى نشاط كهربى يعزز التشخيص ،
هناك ايضاً فحص بالإشعاع لدخول الدم للقشرة المخية وغياب وجوده يعزز ايضاً من تشخيص الوفاة السريرية .
يتم مساندة الجسد المتوفى سريريا بأدوية مساندة الضغط ، مع اعطائهم جرعات من هورمون الغدة الدرقية
Thyroxine
وقبل اليوم المحدد لاستئصال الأعضاء المزمع زراعتها ، وخصوصاً فى حالة الرئة لوحظ ان إعطاء الكورتيزون ،
نتائجه افضل فى معدل رفض العضو المزروع .
يتم ايضاً إعطاء أدوية السيولة بالجرعات الوقائية لمنع تخثر الدم والذى قد يؤدى الى فشل الأعضاء المزمع زراعتها .
يوم استئصال الأعضاء يتم احضار الفريق الطبى ، الى المستشفى التى يرقد بها المتوفى بالأجهزة المساندة حيث يتم تحرير شهادة الوفاة ويقوم الفريق باستئصال الأعضاء المزمع زراعتها وحفظها فى سوائل معينة وبدرجات حرارة يعرفها المتخصصون فى الفريق .
لا يمكن بحال ، احضار او قتل شخص فى الشارع دون معرفة حالته المرضية او الامراض المعدية التى قد يكون يعانى منها ، بغرض استئصال أعضائه لانه أولاً مستحيل علمياً ، وثانياً لان الأعضاء المستخدمة ان صدقنا هذه الترهات سيتم رفضها لغياب كل التحضيرات التى ذكرناها .
وافقت هيئات دينية وتشريعية اسلامية على التعريف العلمى لوفاة جذع المخ ،
وقد اقر المشرع القانوني تعريف الوفاة بوفاة جذع المخ فى بلدان عربية وإسلامية كثيرة.
يبقى ان نوضح ان الروح وهى اللفظة العربية لكلمة
RUACH
او رواخ
العبرية والتى من ضمن معانيها ،
امر الله وتدبيره ،
وفسرها المولى فى كتابه العزيز ؛
(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم الا قليلاً )
هناك بالطبع مدى زمنى لعمر الأعضاء حتى لا تفسد قبل الزراعة ، واسرعها تلفا هو القلب والذى يفسد خلال اربع ساعات
وأطولها فى احتمال الوقت مع الحفظ هى الكليتين ولمدة قد تصل الى اثنين وسبعين ساعة .
زراعة الأعضاء جراحة معقدة تحتاج لهيئة منظمة حيادية ومؤسسات طبية توفر العلاج الجيد والحيادي المتساوي للجميع والمشمول بغطاء التأمين الصحى وشبكة مواصلات ونقل برى وجوى ممتازة وتعاون السلطات المحلية واجهزة الشرطة والتى بدونها يصبح الحصول على متبرعين صالحين من الصعوبة بحال .
التكلفة الإجمالية العامة لزراعة الأعضاء مقارنة بالعلاجات التعويضية المساندة كالغسيل الكلوى او الاستنزاف الاقتصادى الاجتماعى لأمراض
مثل الفشل الكبدى والهبوط الاحتقانى الشديد للقلب اقل بكثير على الدول التى توفر رعاية صحية مجانية او مشمولة بغطاء التأمين الصحى وتصب فى النهاية بالإيجاب على الناتج الانتاجى و المردود الاقتصادى على المجتمع والدول .
التعليقات مغلقة.