زمل جراحك… عبير عبد المنعم

زمل .. هذا هو عنوان التحفة الأدبية التي نحن بصددها ، فقد أضفى العنوان عليها لباسا من القدسية ، حيث جاء تناصا غير مباشر مع الحديث القدسي ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “زملوني زملوني” .
ثم تناصا مع الآية الكريمة “يا أيها المزمل “، وهنا لي وقفة ، جاء الفعل بصيغة الأمر ، والأصل أن يدل فعل الأمر على طلب القيام بالفعل أو الاتصاف ، بصفة في المستقبل ، وصيغة فعل الأمر هنا أتت على وجه الاستعلاء الأدبي ، حتى يكون في صيغة فعل أمر حقيقيا ، وبذلك يخرج النص عن أغراض استعمالات فعل الأمر الأخرى والتي لا محل لها في النص ، مثل : الإباحة والتخيير والتعجيز والالتماس والتهديد والدعاء … إلخ .
زمل .. فعل أمر ، بمعنى أخفى الشيء ، أي أخف جراحك ، وهنا لا ترى النصح ، بل يقف المتلقي في موضع أقل من النص ، فلا يكون الفعل من باب النصح .
هذا التعامل مع الحروف والكلمات أشهد ببراعة وعبقرية شاعرتنا الفذة في فهم أسرار ومكنونات اللغة ، وتطويعها حيث تذهب بالمتلقي حيث شاءت من خلال النص .
ولم تكتفي شاعرتنا بصيغة الأمر الحقيقي في العنوان ، بل كررت فعل الأمر الاستعلائي في أول كلمة من أول سطر في القصيدة :
زمل جراحك وانتبه لما جرى
كرر النص فعل الأمر مرتين في أول سطر : زمل / انتبه .
وتعاود شاعرتنا إعطاءنا درسا في بلاغة وجمال لغتنا الجميلة ، فتستخدم فعل الأمر بكل أشكاله بما يخدم النص والفكرة والسرد :
– لا ترج إشراق الشموس لعلها
– ولتبتلع صرخات روحك كلها
– ولترسل الأحلام حين روية
– ………. …………… لا تنم
– لا ترتجيها غير جند ثائرة
كل هذه الصور المبتكرة الجديدة بالكلية برع النص في استخدامها كما برع في توظيفها ، فهي صيغ مختلفة لفعل الأمر ، من استخدام لام الأمر ولا الناهية.
حفل النص بصور شعرية جديدة تماما ، مثل : زمل جراحك / القلم قاض
فقد عزفت القصيدة عن المشهد البصري ، ولجأت إلى صور شعرية غاية في الحكمة ، فخرجت بذلك عن ثرثرة الشعراء وقد وجلت من باب التناص المقدس .
كل كل تبجيلي وشهادتي واعترافي وإقراري شاعرة مجيدة متجددة .