سأبقى شامخا رغم الامى. بقلم..العيد بوعون
كمْ كانت فرحةُ أمي وأبي لحظة وِلادَتِي ! وكمْ تهَلَّلَتْ أساريرهما فَرَحا وبِشْرًا ! حيثُ كانتِ الآمالُ واعدةٌ ، والأحلام تُضَارع زهرةً تَبِيتُ مُعَانِقَةً شَوقَها بين بِتِلاَّتِها مُنْتَظِرةً قطراتِ ندى الصَّباح لِتُسْكَبَ على مَيْسَمِها ، ثم تُلَاعبُها خُيوطِ الشّمس مُحَرِّكَةً فيها بَهْجةٕ الصَّبَاح لاسْتِنقْبالِ الفراشاتِ ، والنَحل وهو يَعبُقُ من رَحِيقَـها ، لكن زَهْرةَ والديَّ ذَبُلت ومَاتت قَبْل بُزُوغ فَجْرِ الطُّفولةِ مِنْ رَحِمِ كَرَى الْمُـعـَاناةِ . حتى إسْتَفَـقْـتُ على رُجُـولةٍ مُـبـَكـرَةٍ ، وطُفُـولةٍ بائِدةٍ ، وشَبابٍ ضَمُرتْ أحْلامُـه عند نُقطَـةِ التَّـلاشِـي مِـنْ على مَنْـظُـور الْـمُـعَـاشِ ؛ الَّـذي حطَّ رِحَـالَـه بِـي فَـبتُّ خَـادِمَـهُ طَواعِيةً ؛ بعدما كُنتُ أَحلـمُ بالجُلوس على مَـائـِدته مُسْتلْطَفاً مُسُتظْرَفًا ، أُحبُّ وأَذرُ ، أختارُ وأتخيَّرُ كيف بي وأنا المدلّلُ ” لكنْ” …. واحسرةً ! لقد رَمتْنِي الٱلامُ في رَدْهَةِ الحاجةِ ، وأيٌّ هي سِوى الفَـقْـرُ ، والإملاقُ ،والعوزُ ، والفاقةُ ، حتَّى بات من تَجَـرَّدُوا من إنسَانِـيَّـتِـهِم يَـروْنَـني ذاكَ الشَّـابُ القـويُّ المفتولُ الذّراعينِ الذي يجبُ أن يعملَ كي يَقْـتَاتَ.. ! حتى خِلت نفسي حقًا ما قالـوا ، وهاأنذَا أقفُ في باحةِ العمل بصدر مكشوفٍ ورجلينِ حافيتينِ ،وشَـعْرٍ أشْعـثَ أغبرَ
، وذراعينِ هزيلتينِ مُمْـتلئتينِ خُـدُوشًا وجِراحًا ، حتى إسْتَحَـالتْ دَماملَ وبُثورًا جَرَّاء حَمْلِي ما لاَ أحْتَـمِـلُ وأتَحَـمَّلُ ، أيا أتْـرابي … هؤلاء لم يرحَموا ضَـعْـفِـي وصِغَر سنِّـي ! بعدما عَضَّني الإدقَـاع بِـنابٍ ، وصَفٕـعَتْـني يَدُ الأيامِ بقَبـضَتِـها الحديديّـةِ فَهَويتُ لها… لكن لم تَصْرعني . نعم هاأنذا كما أنا أُفتِّشُ عن ذاتي في ذواتِ الآخرينَ ، أسْتَـرقُ الشّباب لأضعَ الكُهـولةَ مكانَهُ حتى تمنيتُ الرحيلَ قبلَ الرَّحيلُ ، وهذا أخي ونِدّي يُضَارعُني الأسْمَال والأهدامَ ، ويقاسِمُـني قَـرّ المَسْغبةِ ، وحـرَّ رمقَ الجُوعِ ، لكنَّـنا ياسادة : نحنُ سُعداءٌ متهللونٕ متهممونَ شامخون مشرئبةٌ رقَابُـنا ولم تُعفِّر نَواصينا رياحُ ذاك الذي قال عنه عمر : ؟«لو كان رجلا لقتلته ». فيا أيّها الغافِلون عنّا والمتكالِبُون علينا ستسألون ذاتَ يومٍ وسنكونُ عليكم شهودا يوم تَجتمـعُ الخصومُ ، ولعلَّنا باقون ما بَقي لِحاؤُنا ، وسيكون الطُّـوب شاهدا ودليلاً علينا أنَّـنا مَررنا من هنا ….
التعليقات مغلقة.