سباق بقلم الأستاذة زينب عبد الكريم التميمي
على قرابة منها.. وبعد كم من السنين لم أقدر أن أحصِها، بدأت أحس أن عُكازي لم يعد يحملني.. ها أنا الان أعود إليها ولا أعرف هل يحمل اسمها من السعادة مثل اسمي أم أننا تكالبت علينا الدهور لتينع روحي وروحها بمرار السنين، ذكرى تركت على ملامحنا جرحا لا ينسى وإن بدا المعنى في أسمائنا..
ها أنا أجوب شوارعها، تتملكني لهفة المشتاق.
المعالم تغيرت كثيرا مذ أن خرجت منها،
شارع طويل يحاذيه النخيل على الجانبين
ونصب عال ابهرتني عمارته بمسلته الجميلة، لكن ما لفت نظري شجرة عالية
جذعها سميك، تكاد تراها يابسة للوهلة الأولى الا أن ثلاث ورقات كانت تلمع حتى بدت خطوطها واضحة للعيان، رغم بوسقة النخيل كانت وكأنها تسابقهم، من يعلو من؟
أخذني المنظر الى باريس وستالينجراد،
استرجعت بذاكرتي ماقرأته عنهما،
ثم عدت إليها… أخذتُ الطريق الى نهايته،
متحف جميل تنتشر فيه لوحات متقنة الخطوط وتماثيل لوجوه عرفتُ منها البعض من ملامحها.،تعمقت بها..
الصور تكاد تنطق، وكذلك الوجوه، أسمعها، أميل برأسي لأتاكد مصدر الصوت، هو من أحد اللوحات..
:سعيد ، انا بموت، ساعدني ياسعيد.
بدأت عكازي تخونني، ارتجّت الارض تحت قدمي..
دماء تخرج من بين دفقات اللوحة.. تسيل، وتسيل، وتسيل.. ملأت الارض، تنزلق قدمي لتوقعني أرضا بعد أن فقدت عكازي هو الاخر
تلمستُ الدم.. إنه حار ،، حار لدرجة أنه دفّأ جسمي بعد أن انتابتني قشعريرة الخوف..
نجوم تتطاير في أرجاء المبنى، رؤوس برونزية تنتشر هنا وهناك، ودخان أسود حجب الرؤية. ثم بدأ يخفت رويدا رويدا.
يعود الصوت ..
:سعيد ، ماعدتش أشوف… حسنين، خالد، مرزوق، الريس، الريس فين؟
أجبته مرتعدا
: الريس مات ياحودة. وكمان الأولاد.
فجأة تيبس الدم، أصبح بارداً جداً، عادت الرؤوس الى نُصبها، فغروا أفواههم ، علت بصوت يصحبه النشيج..
مصر، مصر، تعيشي يامصر
مصري مصري، تعيشي يامصر
ثم، مجددا تنقط قطرات من اللوحة بدت أكثر دفئا من الأول، خفت أن يغمرني الدم مرة اخرى، إرتعبت.. حاولت أن أجمع شتاتي، لملمتُ روحي وتناولت عكازي مسرعا الى الخارج، كان الرعب الأكبر.. النخيل يرتفع ويرتفع،
وكلما أرتفع شهقت الشجرة تسابقه.
ظلوا هكذا حتى أغمضتُ عينيّ ولم أستطع فتحهما، نسيت أني فقدتهما مع رجلي ونفسي قبل خمس وستين سنة.
التعليقات مغلقة.