سبعة ضد المسيح…
بقلم المهندس / أسامه أنيس
الحقيقة تمثل هدفاً منشوداً لكل إنسان سوي ، فكل العلوم تبحث بكل نظرياتها وقواعدها عن الحقيقة المطلقة … لقد ظلت البشرية على طول مسيرتها تجرب وتبحث وتستحدث من العلوم والنظريات ما يهدف إلى التطور والرقى والتقدم من خلال البحث عن الحقيقة
تظل الحقيقة العلمية (أو النظرية) هى السائده إلى أن تجىء نظرية جديدة تظهر خطأ أو عيب أو سوء ما فى النظرية السائدة وتدحضها وتثبت فشلها … وتحل النظرية أو القاعدة الجديدة (أو الحقيقة الجديدة) محل القديمة فى إنتظار نظرية أحدث …. وفى بعض الحالات قد نكتشف قصور فى إحدى القواعد أو النظريات كفيل بأن نفقد الثقة فى إمكانية تطبيق هذه القاعدة … على الرغم من عدم طرح بديل لها … وتظل عندئذ الحقيقة معلقة لا نعرفها فى أنتظار قاعدة جديدة
هذا ينطبق على كل قواعد العلوم سواء كانت علوم تكنولوجية أو علوم طبيعية أو علوم أنسانية … وحتى علوم الدين … مثل علم اللاهوت مثلاً … أو علم أصول الدين أو التفسير أو الحديث أو الفقه والشريعة
ولكن أحياناً يجد الإنسان حقيقة جديدة وقاعدة جديدة ولكنه لا يجد فى نفسه الشجاعة لكى يعلنها … فالحقيقة تحتاج دائماً للشجاعة كى نعلنها خاصة عندما تتصل هذه الحقيقة الجديدة بما نظنه ثوابت لدينا …
ويزداد الأمر تعقيداً واحتياجًا لهذه الشجاعة حين تتصل هذه الثوابت بالجوانب الدينية وخاصة العقائدية
كلنا نعرف كلمات مأثورة للصحابة ولأئمة كبار … نحفظها ونرددها
” ما من أحد إلا يؤخذ من علمه ويترك إلا رسول الله ” ….. حديث ابن عباس
“رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب ” …. جملة تاريخية قالها الإمام الشافعى
” كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر ” …. قول متير ورائع قاله الأمام مالك
ورغم هذا ما أن يتقدم أحد إلى الاختلاف مع أى رأى من آراء أولئك الأئمة الكبار إلا وأعتبر زنديقاً ومخرفاً ومفسداً وربما كافراً أو مرتداً …. رغم أن هؤلاء الأئمة قد صرحوا بأنفسهم بأن آرائهم غير معصومة من الخطأ ونتشدق نحن بقولهم إعجاباً … ولكن تحجر العقل وضيق الفكر يخشى أن يواجه الحقيقة ويتناولها بالبحث والنقد والدراسة … سأتوقف عند هذه النقطة (نقطة الشجاعة فى مواجهة الحقيقة) وأسوق قصة بالغة الدلالة … واثقاً من عقلية القارىء وذكائه
فى نهايات القرن العشرين إجتمع سبعة من علماء اللاهوت وفلاسفة الدين المتخصصين فى العهد الجديد لدراسة ركن أساسى فى العقيدة المسيحية … هو عقيدة التجسد والتى تعنى باختصار تجسد الله فى صورة المسيح …
هؤلاء السبعة هم “جون هيك” أستاذ اللاهوت فى جامعة بيرمنجهام .. “دون كوبيت” محاضر الإلهيات فى كلية عمانوئيل بجامعة كمبردج .. “ميخائيل جولدر” من جامعه بيرمنجهام .. “لسلى هولدن” محاضر الأناجيل فى كلية كينج بجامعة لندن … “دينيس ناينهام” جامعه أكسفورد … “موريس وايلز” أستاذ الإلهيات والكتاب المقدس فى كلية المسيح بجامعة اكسفورد … وأخيراً “فرنسيس يونج” محاضرة فى دراسة الأناجيل بجامعة برمنجهام …. سبعة علماء من أربعة من كبريات الجامعات الأوربية
إنتهى هؤلاء السبعة إلى نتيجة خطيرة وصادمة للعامة وأصابت الكنيسة بالذعر … كانت النتيجة هى أن عقيدة التجسد المسيحية مجرد أسطورة إنتقلت للمسيحية من البيئات الثقافية المجاورة فى اليونان … ونشر بحثهم “د. جون هيك” فى كتاب بعنوان (أسطورة تجسد الإله) ولاقى كتابهم رواجاً هائلاً وترجمه د. نبيل صبحى للعربية … وقوبل هذا طبعاً بغضب هائل فى الوسط الدينى الرسمى والشعبى فى أوروبا وأعتبرهم البعض أعداء للمسيحية وقد أطلق عليهم البعض لقب (سبعة ضد المسيح)
لقد امتلك هؤلاء السبعة (أساتذة ومحاضرين وفلاسفة علم اللاهوت)
الجرأة والشجاعة ليعلنوا رأيهم للعالم كله … هذا الرأى الذى يغير معتقداً أساسياً فى العقيدة المسيحية بل يهدم أحد أركان العقيدة المسيحية من الأساس …. لم يتوقفوا أمام من سيخالفهم أو من سيعاديهم ومن سيتبعهم … ورغم رفض الكنيسة والشعب لفكرهم لم تستباح دماءهم !!
لا يعنينى مناقشة معتقداتهم (ولا ينبغى هنا) … ولكن اللافت أن هؤلاء العلماء (سبعة ضد المسيح) بعيداً عن صحة معتقدهم أو خطئه أمتلكوا الشجاعة ليعلنوا ما أعتبروه حقيقة للعالم فكانوا صادقين مع أنفسهم فلم يخفوا آراءهم ولم يتناسوها بل أصروا على إعلانها … فهم مؤمنون بأن الدين لا يستطيع البقاء باعتباره حقيقة يقتنع بها الناس إلا إذا بقى منفتحاً بإستمرار على اساس علمى ومتطور ومساير لعقلية العصر
قيمة الشجاعة وهذه المرونة بالغة الأهمية لأى دين فى مواجهة الحقيقة (وفق ما يعتقدون) هى ما يفتقده كثير من رجال الدين سواء كان الدين الأسلامى أو المسيحى …. وبهذه القيمة وهذه الشجاعة بمكننا أن نفهم ما يعنيه الأمر من مواجهة … وبهذه القيمة وهذه الشجاعة وهذه المرونة يمكننا فهم معنى … الثورة الدينية
التعليقات مغلقة.