ستائر سميكة قصة لهناسعد
ذات صباح، تسللت إلى شرفتي، تمامًا كما كان يفعل ابني فى صغره، كان يختبىء وراء الستائر السميكة؛ يتتبع طيور الصباح، يتحين الفرصة؛ ليمسك بإحداهن؛ كان يكرر المحاولة مرات ومرات دون جدوى؛ ليصل إلى ذات النتيجة.
فعلتها اليوم؛ لابهدف المراوغة؛ ولكن للاستمتاع والتأمل فى خلقهن.
فى ركن الشرفة بالقرب من جهنميتي التى أعشق ألوانها؛ الأصفر، والأبيض، والوردي، والأقحواني؛ وقف عصفوران يتغازلان، أعرفهما جيدًا؛ جسمهما رمادي خالص وذيلهما طويل ممتد يختلط فيه الريش الأبيض الناصع والرمادي اللامع، حالة العشق تظهر فى نغمة صوتهما الخافت؛ يتهامسان فى سكينة، يتبادلان اللحن فى انسجام تام.
وفى ركن متطرف من شرفتي؛ طائر يمد عنقه للسماء، يشدو شدوًا حزينًا كأنما يناجي وليفه للقاء يأمل أن يكون قريبًا.
وفى جانب آخر كناريا تتلفت يمينًا ويسارًا حركة رأسها توحي بالبحث عن موطنها، يبدو أنها أفلتت لتوها من سجن كان مؤبدًا ، نَدَمَتْ لاختلاطها بأنواع شتى فوق الأشجار وفى الشرفات بعد فقدان راعيها، إيماءات رأسها تقول “ليتني ماتركت ساحتي؛ لقد علمت الآن أن أعواد القفص، وإن كانت تحاصرني إلا إنها عالم آمن، يتوفر فيه كل ما أحتاج لحياة مطمئنة”
يبدو أنها لم تكن متأهبة بعد لمواجهة التحديات، سحرها التحليق فى الفضاء، لقد دفعت ثمنًا باهظًا لايساوي قدر الحرية التى كانت تنشدها .
آه لقد حضرت، يالك من عصفور صغير لكنك مشاكس، أعرفك جيدًا، يسميك أهل الصعيد بالزرزور، آهٍ يا زرزور ذكرتني بطفولة مسافرة إلى الأقاصي، كم مرة نثرت لك البذور مع أقراني لنغريك بها، ثم حاولنا الإمساك بك، لكنك كنت ماهرًا فى المراوغة والتحليق بعيدًا عن المغريات.
صيحات متتالية متقطعة ليامة أيقظتني من شرودي فى الزرزور، لم تنته من صوتها الملهوف حتى حضر وليفها وتناولا معاً الحبوب، تقدس مابينهما من رباط، عشقت وليفها وأوفته الوعد؛ ألّا تهنأ إلا معه.
وآخر يصدر إزعاجًا لمن حوله، ينقر روؤسهم؛ ليبعدهم عن سنابلي التى اخضرت منذ صباحين؛ نثرت قليلًا من القمح فأنبتت بضع سنابل، يفعل ذلك ليحظى بها بمفرده، إنه يرفض مشاركة غيره رغم أن الرزق موفور ويسع الجميع؛ يالك من طائر جارح تخدش مشاعر من يقترب رغم نعومة مظهرك
أرتطمت مشاعر السعادة لديّ بمشاعر الشجن، ومشاعر الإعجاب بمشاعر التقزز، وبراءة الطفولة الحالمة بشيخوخة الحقائق؛ تعلمت وقتها ألا أُخدع، أسدلت ستائري وانصرفت
التعليقات مغلقة.