سجادة قديمةبقلم محمود حمدون
سجادة قديمة
بقلم محمود حمدون
للموتى همس لا يسمعه إلاّ الأحياء .. عبارة ألقتها ” عزيزة”, بوجهي حينما قرأت تلك السخرية التي حلّت بيّ و أنا أسمعها تتحدث لأشباح ..
طقس أسبوعي تمارسه دون ملل ,كما لا تحيد عنه. عصر الأربعاء , تستقل سيارة ” أجرة ” تنتهي بها عند ” باب الوداع ” , المدخل الرئيسي للمقابر , لا تنسى قبل الدخول أن تبتاع ” جريد نخل ” نديٌّ, بصحبتها زجاجة مياه .. ثم تنطلق في خط سير دون وعي , تسوقها قدماها إلى مقبرة متهدمة من بعض جوانبها , تستظل بشجرة عظيمة وارفة , ترتفع حتى عنان السماء , تضع ” الجريد برفق على سطح المقبرة ,” تنثر عليه بعض المياه , تفترش على الأرض ” سجادة ” قديمة ,ثم تستوي جالسة أمام شواهد بالية لعائلة مات أغلبها..
تسترسل في الكلام مع أمها , خالاتها , جدتها .. حديث يتدفق بين طرفين , هي وأخريات تحت التراب.. جدل ينشب , صوت يعلو , أغلظ الأيمان تنطلق من فمها , تُفسم أن هذا ما حدث .. تُنصت ,تنفي , تؤكد ..تهز رأسها , تلوّح بيديها رفضًا وإنكارًا..
تحكي ما بجعبتها ,عن جفوة من بقي من الأهل , عن شجارها مع بعض الجارات , عن سعال شديد إثر دور برد أصابها , عن ألم المفاصل ووهن العظام , علاوة المعاش السنوية , كسل الأبناء وتأخرهم الدراسي .. عن حُلمها في أداء ” عمرة ” بالإنابة عنهن جميعًا.
قبيل المغرب بقليل تنهض , تنفض عن ملابسها غبار هو بقايا أجساد فنت من قديم الأزل ثم تطوي ” سجادتها ” ,تقرأ الفاتحة , تودّعهن بعبارة مقتضبة وعينيها مختنقة بالدموع : ” عايزين منيّ حاجة , أنا ماشية بقى”
التعليقات مغلقة.