سفينة الوطن.بقلم.العيد بوعون
سفينة الوطن كلمة قالها الدكتور ـ بابا عمي مؤسس معهد المناهج وصاحب فكرة وسام العالم الجزائري في إحدى محاضراته حيث كان يصدح قولا حقا، مستشيطا غضبا ، باكٍ على وضع متردٍ ،مخاطبا أصحاب رسالة الأنبياء و المرسلين ؛ أن يستفيقوا ، ويقفوا شامخين لأجل هذا النّشء . الذي هو رجاء الوطن ،ورقيّه ، وسفينة نجاته إن أحكمنا أشرعتها ، وأحسنّا اختيار ربابين قيادتها كي تشقّ عُباب الدّأماء وصولا إلى الرّياض الغناء ، والغابات الشّجراء . وهذا لا يتحقّق إلاّ إذاسطع نجم المعلّم في الأفق وضّاحا ، وتراءت خيوط شمس أخلاقياته راقصة في سماء التّربية والتّعليم ، وتبرز عيون نجوم معارفه من قُمُص التّحصيل الدّراسي . إن التّعليم هو الركن الرّكين ، وحجر الزّاوية في بناء صرح الوطن مهما عتت عواتي الدّهر ، وتقّوّل عليه القريب والبعيد ، ونُعت بشتّى النعوت ، وبُخِس حقّه ، وأصبح يراه الكلّ ذلك الفقير المُقلل ، شاحب الوجه، ضاوي الجسم. لكنّه إن صبر وتسامى عن سخافاتهم ، وسفاسفهم ،وشعر بعمق رسالته ، وعبئها الملقى على عاتقه ؛ بأنّه بان والباني مسؤول عمّايقع في البناء من ميل أو انحراف . فيقبل على عمله إقبال النّحلة في صنع عسل شهيّ، ويحبّ عمله حبّا جمّا يملأ ما بين جانحتيه . فلم تكن ساعة من الساعات أحبّ إليه من تلك التي يخلو فيها بمتعلميه ، ثم يسلم نفسه إليهم حنوا ، وتعاملا ، وتعليما ، متفقدا مواطن نقصهم ،وعسر قراءتهم ، وصعوبة تحصيلهم، ويتقلّب بين عاملين اثنين هما التّثقيف والتّهذيب ، فهو يتردّد بين حمّارةَقيظ تربيتهم ، وصبّارة قرّ تعليمهم ، والأخذ بأيديهم إلى الرّيادة، وتصدر الطّليعة . هو كذلك يعلّم الأدب ، وهو خير ما يستعين به كل متعلّم على عِلمٍ ، ويوزن به، فالمتعلم يتسمّتُ ويترسّم مواقع أقدام معلّمه في حركاته وسكناته ، كيف لاوهو يتعلّم منه بالقدوة ما لا يتعلّمه بالتّلقين .
المعلم أم رؤوم لا تحابي بين أحد من صغارها ، هو نخلة سامقة الأغصان وارقةالأغصان ورافة الأفنان من طلعها قِنوان دانية . هو الإنسانية في أبهى صورها يحبّ الجمال ويفتتن به حيث يراه في صورة الإنسان ، أو مطلع البدر ، أو مغرب الشمس ، أو هجعة اللّيل، أو يقظة الفجر ، أو قمم الجبال ، أو سفوح التلال ، أو مجتمع الأطيار ، أو منتثر الأزهار . إنّه صاحب الخلق العذب ، والأدب الغضّ . هوذاك المعطاء الجواد، لا ذك الذي يضنّ بعلمه كما يضنّ بماله، ويقبض لسانه في التّبليغ وإيصال المعلومة كما يقبض يده على الإنفاق .لكن هاقدت تفشّت فاشية ، واستشرت في صفوف مدارسنا ، وغُذّيت بأيادي بعضنا إن لم أقل غالبيتنا ، وبات دليلنا الغربان الناعقة التي أوصلتنا إلى جيف التّبعية ، والنّمطية ، والتقليد الأعمى ، ناهيك عن التّنصل التّام والكلّي عمّا أسند إلينا ، وما أودعته إيّانا الأسر من فلذات أكبادها . فقد سلمتهم إلينا أطفالا لنردوهم إليها رجالا، وقدمتهم إلينا هياكل لنبث فيها الرّوح ، وألفاظا لنملأها بالمعاني، وأوعية لنعمرها بالفضيلة. فكلما كان تكوينهم صالحا نشأوا صالحين لأنفسهم وأوليائهم ، وإن كان ناقصا زائفا مختلا بُنيت ٱثار هذا الجيل على فساد ، وهذا ما نشاهده اليوم من تقليد ، وسوء تعليم ، وانحطاط في الشخصية قبل المعلومة ، علاوة على غياب المرافقة الأسرية الجادة والفعّالة ، الخادمة للمدرسة والمكملة لها ، بل باتت الأغلبية تهرول نحو السّفاسف، والسّاقط المُبتذل ، والسّوقيّ المطروق ؛ لأنها وبكل بساطة حيدة عن سكّة الهداية ، ونهج ديننا القويم ، وتربيتنا الإسلامية الفاضلة . فمتى يسمم البناء إذاكنت تبني وغيرك يهدم ، وأيّ هدم أشدّ إيلاما ، ووقعا على النفس من هدم جيل البلاد ، ووئده دونما دراية ، ولاتبصر ، متناسين أنّ العدوّ يتربص بنا الدوائر ، وينسج حبال شركه لنقع في مصيدته ؛ بعد أن رمى لنا طُعم الفساد بجميع صنوفه ، وألوانه ، وملذّاته .
و عليه نهيبوا بكل وطني غيور ، صاحب رسالة أن يساهم في البناء لا الهدم ،وأن يكون قائدا لا مقودا .
التعليقات مغلقة.