سلسلة مقالات شخصيات شكلت حروف الزمان ..
الحلقة الثالثة ..ابن ماجد “أسد البحار”..
بقلم إيما أحيا
البحار العربي الخالد مكتشف علم البحار الذي ساهم وجاب ارجاء المحيط الهندي وعبد طرقه البحرية لربابنة الدنيا ،صاحب النصب التذكاري الذي اقامه له البرتغاليون في ماليندي بكينيا اعترافا بفضله على البحرية البرتغالية والاوربيه في بحار المحيط الهندي ..
كان في العاشرة من عمره حين طلب من والده مرافقته الى البحر ولما كان والده بحار بن بحار علمت امه ما سيكون عليه ولدها ،استبشر به والده وراى في عينية صورة بحار عظيم وحفيدا لبحار عظيم ،كان حلم احمد رؤية ما وراء البحار من الموانئ والشطآن .
انه احمد بن ماجد اعظم ربابنة البحار العرب في القرن الميلادي الخامس عشرينتمي شهاب الدين احمد بن ماجد العماني المولد والنشأة في ميناء جلفار”رأس الخيمة بالامارات الان” الى بني تميم في بلدة “ثادق” بنجد” وهي احد قرى اقليم “المحمل” شمالي غربي الرياض ،وماتزال عائلته تعرف في قرية “ثادق” ب”اولاد النواخذ”(الربابنة ) وفق تحقيق الكاتبان السعوديان :الشيخ حمد الجاسر ،والاديب: عبدالله الماجد ،في عام 838ه /1434م كان ميلاد ابن ماجد اسد البحارالجنوبية، وفي 913ه/ 1507م كانت وفاته عن عمر يناهز السبعين عاما .
كان والده ماجد كبير المعالمة (الربابنة) العرب في زمانه في كل مواني الخليج العربي والبحر الاحمر ،والمحيط الهندي ،والبحر العربي على سواحل جزيرة العرب ،والساحل الشرقي لأفريقيا من مصر إلى السودان، والصومال ،وكينيا ،وتنزانيا ،وموزمبيق ،والساحل الفارسي، وسواحل الهند، وسواحل جزر المحيط من جزيرة القمر (مدغشقر) إلى جزر المالديف وجاوة وسومطرة ، فمنحه النوتية(البحارة)والمعالمة (الربابنة) لقب ربان البرين بر العرب وبرالعجم ،وكان ماجد قد نظم ارجوزة شعرية في الف بيت وصف فيها الملاحة في البحر الاحمر وحفظها ولده احمد عن ظهر قلب .
ابحر ماجد بولده احمد عام 1444م شاهد احمد ابيه وهو يبدأ الابحار بسم الله مجريها ومرسيها ورأه يصلي ركعتين لله فهو ومن في البحر ضيوف الرحمن عبرت السفينة مضيقا بالخليج يحتاج عبوره بين الصخور والمجاز الضيق الى مهارة وماجد يلازم صاحب الدفة ويوجهه يمنة ويسرة حتى خرجت السفينة بهم الى البحر العربي الفسيح ما بين عمان والساحل الهندي واشار ماجد لولده قائلا :اذهب وتفرج على السفينة ومن عليها من البحارة والمسافرين وسلهم عن اي شيئ فسوف يجيبونك فالناس في البحر غيرهم على البر يصبحون اخوة واصدقاء .
عرف احمد ما يعينه رفع الرايات السوداء فوق السفن الراسية، فحتى وان كان المرسى قريب فهذا يعني هياج الشاطئ وخطر الدخول الى المرسى في وجود هذا الخطر بالاضافة لخطرالصخور الموجودة دائما على جوانب مراسي السفن ،ودهش عندما رأى ابيه كيف يتحدث الى رجال النول(الجمارك)في ميناء قاليقوط على ساحل المليبار الهندي بالسنسكريتية كأنه واحد منهم ،وشاهد كيف يحيه الناس في الاسواق وكيف يحييهم بطريقتهم الخاصة، وحينها قال لولده :في كل ميناء تنزله يابني افعل مثلما يفعل اهله وتعلم لغتهم لتأمن الشر وسوء الفهم ،وكل معهم من طعامهم وامدح لهم بلدهم ،واسلك مثل سلوكهم فيأمنوا لك ويألفوك وتأمن لهم وتأتنس بهم .
تعددت اسفار احمد مع ابيه عبر السنين بين سواحل قارتين وجزائر البحار وموانيها وسواحل افريقيا والعديد من السواحل والجزر والشطآن تجاوز عدتها خمسة واربعين ميناء ،وعرف احمد من ابيه اسماء النجوم ومجاميعها الملاحيه فهي صديقة البحارة عرف مواقعها في السماء جنوبي خط الاستواء وشمالي خط الاستواء ومواقيت افولها وغروبها في ساعات بعينها في الليل، ومتى يستفيد الربان في مجرى الابحار من هذا النجم او ذاك ليصحح اتجاه الدفه والقلاع ،وحفظ لها احمد اسماء اكثر من اربعيم نجما ،وحين يشتد ظلام الليل في السماء وتكثف السحب كان احمد يرى اباه يوقف السفينة وينزل الهلب ويطوي الشراع فلا شمس في السماء ولا نجوم ترى في الفضاء يحدد بها الاتجاه وقد يتكرر هذا الوقوف كثيرا في فصل الشتاء.
تعلم احمد من ابيه كيف يداوي على ظهر السفينة من يصيبه مرض من امراض الجسد بالاعشاب، وكيف يصبر من يشتد به الحنين في اسفاره للاهل والشطآن ، وكيف يعرف مواقيت الصلاة في البحر ،وفنون تجاوز الدوامات والنوافير البحرية والعواصف والانواء ،وعرف كيف يتحدث مع لغته العربيه باللغات السنسكريتية والجاوية ،والسواحلية ،والفارسية خلال سبع سنوات منذ ابحاره مع ابيه لاول مرة .
ولما بلغ احمد السابعة عشر كان قد صار فتى جم النشاط ،صحيح البنية، متوقد الذهن جعلت اماد البحر الفسيحة عينيه ذات بريق شديد ،علمته مسئولياته على ظهر السفينة كيف يعيش في بساطة متفرغا لعمله ،عفيف النفس زاهدا في المال حريصا على نظافة السفينة حرصه على نظافة جسده وطهر قلبه ونفسه كان دائم القول:نحن في البحر ضيوف الرحمن ولا يضيع مضيف ضيوفه ، وفي هذا الوقت عهد اليه والده بتوجيه الدفه وهي اهم جزء في المركب تحت مراقبته ليلا ونهارا ،فالمركب بدون توجيه صحيح لدفتها ضائعة هي ومن عليها ،وكان احمد متلهفا لتعلم القياسات الملاحية البحرية فاخبره والده بان ذلك سيحدث في اليوم الذي يصبح فيه خبيرا بالدفة وقد لايحدث ذلك قبل عشر سنوات.
بلغ احمد السابعة والعشرين من عمره وهو يسيطر على الدفة بمهارة، ويتعلم الكثير من ابيه عن ادوات القياسات البحرية الملاحية الفلكية وطرق استخدامها وفي مقدمتها “الاسطرلاب”:آلة لقياس زاوية ارتفاع الاجرام فوق الافق، وعن “الزام”:وهي وحدة لقياسات المسافات الفسيحة في البحر ،وعن “الرهمانج”:المرشد الملاحي للربان، وعن “الكمال”:آلة لقياس ارتفاع النجم عن زاوية الرصد ،وفي ذلك الوقت بعد ان راى والده ان ابنه صار معلما من معالمة البحار اسند اليه مهمة بحرية تنقطع دونها رقاب النوتيه وهي ان يكون نائبا له في قيادة السفينة، وبعد ان يطمئن الى دوره في القيادة سينزل له عن دوره كربان ،ولكن هذا لن يتم قبل بضعة سنين ،في هذه الفترة كان احمد قد انتهى من تأليف ارجوزة شعرية عنوانها “حاوية الاختصار في اصول علم البحار” وضحك منه ابوه وهو يقرأ تحت العنوان بخط ولده تصنيف” اسد البحر الزخار شهب الدين احمد بن ماجد بن ابي الركايب السعدي “وقال له باستنكار اسد البحار الزخار؟ والمعلم؟ اتمدح نفسك وتتعجل الرتبة؟ ،فضحك احمد لأن ابيه نسي انه هو من اطلق عليه هذا اللقب وهو صغير عندما رأى احمد طائر(ام الصناني) وهو في عرض البحر ولاشاطئ يرى وكان طائرا ازرق ذا بطن بيضاء تكدرها الزرقه فصاح احمد نحن نقترب من جزيرة سُقطرى وبيننا وبينها مسيرة نهار ،وتعجب ابوه انذاك فسأله هذه المرة الثانية التي نقبل فيها معا من الجنوب نحو هذه الجزيرة فكيف عرفت؟ فأخبره احمد مشيرا بيده الى سرب من طيور “ام الصناني” بهذه الطيور رأيتها من قبل في هذا المكان لأول مرة وكنا على مسافة نهار فقال له ابوه حينها :صدقت ستكون اسد البحار .
- رحلة الصين والسمكة العجيبة..
ولما بلغ احمد بن ماجد الثلاثين من عمره صار ربانا ماهرا لسفينة ابيه وصارت تتبعه سفن اخرى لاصحاب سفن اخرين وربابنه سواه ثقة بقيادته الماهرة وخبرته بالبحار، وفي احد اسفار احمد الى الملايو جاءته رحلة خطيرة اهتز لها قلبه، كانت رحلة بحرية عبر منعطفات الجزر حول الفلبين الى بحر الصين وموانيها ،ولاذ احمد لفوره بأبيه مستنجدا بمشورته راجيا خوض هذه الرحلة ليزيد خبرة بالبحر في بحر الصين الهائج معظم العام، الشديد العواصف والانواء،ليرى مواني لم يرها من قبل ،ويحمل تجارات ومسافرين من الصين واليها فلاتكون السفن العربية ولا المسافرون والتجار بحاجة الى سفن الصين بين الهند والصين، وتتواصل المسافات بالسفن العربية من سواحل عمان والممالك العربية في افريقية واليمن الى الهند واليمن دون انقطاع ،نجحت رحلة احمد الى الصين ورأى فيها اهوالا بحرية كان يتحدث عنها ربابنة الهند والصين والعائدون من الصين واعتبرها احمد رحلة عمره الاولى، ورأى احمد في ميناء خانفو (كانتون) رجلا صينيا يحمل مغناطيسا له شكل السمكة يضعه على لوح خشبي فوق الارض فتتحرك السمكة متجهة برأسها الى جهة الشمال وكلما ادار الصيني اللوح بالسمكة عادت السمكة لتعدل موضعها جهة الشمال، وعرف احمد من الرجل ان هذا المغناطيس وسيلتهم للسفر ليلا بين البلاد في انحاء الصين فترشدهم جهة الشمال الى كل الجهات في ظلام الليل واختفاء النجوم ، دهش احمد واشترى سمكة المغناطيس من الصيني واسماكا مغناطيسية اخرى وسارع الى ابيه ليريه سمكة المغناطيس العجيبة صديقة الشمال برأسها والجنوب بذيلها وقال لابيه :الارض هي الارض في البر والبحر، من الان لن تتوقف السفن العربية وتلقي مراسيها في عرض البحر بسبب الظلام واختفاء النجوم، وزعم احمد ان السبب الوحيد لعدم استخدام ربابنة الصين هذه السمكة في اسفارهم البحرية هو عدم وجود خطوط واقسام لعروض الارض حول هذه السمكة وبالفعل قام بحل هذا الامر .
وعندما عاد احمد بسفينته وابيه عبر المواني مجتازا بحار الصين والهند والعرب الى جلفار كانت جلفار مثل سائر بلدان عمان الممتدة من الامارات العربية المتحدة الان الى حضر موت تعيش في ظل حكم الائمة الجلنديين الاباضيين منذ ثمانية قرون ،وكانت مدينة “نزوى” هي عاصمة هؤلاء الائمة، وحول عمان في القرن التاسع الهجري الخامس عشر الميلادي كانت فارس والهند ومعظم اسيا الصغرى خاضعة لحكم امبراطوريات مغولية ثلاث ،وكان العالم العربي خاضعا لحكم بني رسول في اليمن وحضرموت ،وكان المماليك البحرية يحكمون مصر والشام والحجاز، والحفصيون في تونس والجزائر، والمرينيون في المغرب، كانت شواطئ عمان قد تعرضت في تاريخها القريب والبعيد لغزوات الفاتحين من الفرس وهجرات المهاجرين من الهنود والزنوج والاحباش ،فاختلطت بين اهلها اللغات فضعفت اللغة العربية بي
التعليقات مغلقة.