“سلكٌ شائك”
بقلم.. محمد كمال سالم
الشتاء لا يريد أن ينقضي!!
جَرفت السيول الصفيح والأقمشة،،لم تمنعها أسقف مهترئة،،أو جدران مُقامة،من قديم لافتات ممثلي الشعب!! من أن تكنُس المُخيَم بالكامل،فِراشه الرث،أوانيه الجائعة تسبح فوق المياه الجارية.
والمشردون علي حدود البلد الشقيق في المخيم!
أصبحوا مشردين.
الرجال يلهثون خلف رحلِهم الهاربة،يجاهدون في تدعيم جدران الوهم،جدران لا ينالون منها دفئا أو سترا،جدران لا تمنحهم إلا الانزواء، لا تستر منهم إلا دموع الانكسار.
النساء شاخصات كالصور،كأشباح سودٍ في لوحةِ فنانٍ مكتئب،كأبدان حُنِطت في خواء.
الشيخ يعقوب يهرول بينهم مضطربا،يسألهم:
أين نضال؟ ألم تروه؟! يانضااااال،أين أنت ياولدي؟!
يقترب منه أحدُ جيرانه،يسأله:
أين ذهب ولدُك؟
يقول في حيرة ولهفة:
لا أعلم،يصيح في خلاء مخضب بالماء والوحل “يانضااااال”
جاره: دعني أبحث معك عن ولدك.
- ليس بولدي،إنه،،،إنه،،،،”يانضاااال”
يقول في صوت ملهوف مرتجف: ابحث معي عنه ابن وطني.
جاره: إبن وطنِك؟! لم يعد يجمعنا إلا تلك اللكنة التي ملأت العالم تشريدا،لا وطن يجمعنا !
انتبها علي مواء قطة،تستغيث، يجرفها الماء.
الشيخ: هذه قطة نضال،هاتها يا جاري بسرعة أرجوك.
يحتضنها الشيخ،يجففها بقميصه المبتل،يحدثها: أين نضال؟ ألم يكن يرعاكِ وأطفالك؟! يبكي،يتكئ علي ذراع جاره، قائلا:
ليس بولدي،إنه وحيد هنا يشبهني،كان أبواه يحاولان الفرار به من هول القصف،من هول موت يأتي من كل صوب في حلب الشهباء،
“يانضاااال”
يلقف أنفاسه،ثم يستطرد:
اصطدمت بهم،نتمسح بالجدار في الحارة،تحت جنح الظلام،نحاول اللحاق بالشاحنة الهاربة،لكنها كانت امتلأت،وهمت بالرحيل،أشفق سائقها علي شيخوختي،واستثناني من الناس،وحشرني وسط الأبدان في الشاحنة.
“يا نضااااال”
لهث أبواه خلفَ الشاحنة يرجواني: خذ الولد،خذ الولد ،انقذه أن يجنده الطاغية،أو تخطفه غربان الليل.
مددت يدي بين الجموع،ساعدوني،والتقفت الولد من علي الأرض للشاحنة،”بينما ركعَت أمه، تمد يدها للشاحنة تبكي.
يانضاااال”
يقاطعه جاره: سلك شائك ياشيخ،انتهى المُخيم،هيا نعود.
صوت يصدر من خلف نتوء صخرة،يغلبه هدير ماء السيل،تحسسا السير إليه،فإذا بالفتي، يضُم هرَّة إلي صدره،يجففها بقميصه المبتل،يكلمها بصوت كالبكاء:
أين أمك؟ أين أخوتك الكثرُ،
ماحيلتي فيكِ وفي تشردك الآن؟!
التعليقات مغلقة.