سوق البالة بقلم.حيدر الدحام
في زحمة الطريق ، توقف برهة محاولًا التقاط أنفاسه ، بعد جهد ومعاناة كبيرين في البحث عن ضالته ، بين هذا الضجيج وهذه الأنفاس الزافرة .
جلس على دكة صغيرة أمام دكان لا يتعدى قياسه حمام بيته !!
أخرج قنينة الماء المثلجة التي عبأها من حنفية المنزل ، ارتشف منها رشفة ، ونهض مسرعًا لإتمام مهمته ..
اليوم هو السبت ، وسوق ( البالة ) في الكاظمية له رواده ومحبيه ، فهو لهم ( زيارة و تسيارة ) كما يقول المثل الشعبي البغدادي !!
تطلع الى الوجوه وتفحص المكان بكل تفاصيله ، صبية صغار يقلبون ألعابًا مليئة بالأتربة ولا تصلح للعب ، لكن اللافت للنظر هو سعادة تعلو وجوههم ، عندما يتفحصون اللعبة تلو الاخرى على أمل وجود ما يناسبهم !!
المرأة العجوز ، تقيس على ابنتها ثياباً رثة ، أكل عليها الدهر وشرب !!
– أمي .. كم هي جميلة وقماشها جيد وفصالها مناسب لي ، لكن أحتاج معها عباءة !!
– أشتريت لك واحدة العام الماضي ، هل نسيتِ ؟!
– لكنها أصبحت قديمة ، وتغير لونها !!
– أعدك أن نرجع بعد شهرين ، سيكون لك معها شالٍ وحذاء جديد .
شاب بعمر العشرين ، يقلب كومة من القمصان ، نشرت فوق طاولة من الخشب ، شاركه المكان مجموعة من الشباب والرجال الذين تزاحموا كل يريد أن يستحوذ على مجموعة من القطع المتشابكة ، ليجد أن طرفها قد سحبه الآخر من الجهة الثانية !! ، منهم من عزل قطع لا بأس بها ، كي يختار منها بلا منازع ، ومنهم من بدأ بارتدائها للتأكد من القياس !!
أصوات الباعة وطرقهم العجيبة في المناداة لبضائعهم ، حولت المكان إلى ما يشبه ملعبًا لكرة القدم أثناء مباراة النهائي !!
كلما حاول الولوج إلى أحد الطرق الضيقة ، يعيقه تكدس البضائع وتجمهر المتبضعين ، فيرجع محاولًا الوصول من منفذ آخر ، قنينة الماء الوحيدة نفذت ، فحرارة الأجواء ، والزحام الشديد ، يحتاج الى صهريج من الماء المثلج !!
التجهيزات الرياضية التي طالما حلم بها ، أخذت موقعًا لها متصدرة المكان ، جميع الماركات العالمية التي لا نجدها في أرقى الأسواق ، تراها قد طرحت أرضًا ، أو علقت على الحائط في أحسن الأحوال !!
– أحتاج حذاءً رياضيًا ماركة ( اديداس) ، قياس إثنان وأربعون .
– عندي جديد تصفية الشركة ، وكذلك يوجد مستعمل ، وكل له سعره الخاص ، ماذا تأمر ؟
– لايهمني السعر ، المهم أن يكون ذا جودة عالية .
أخذ الحذاء وعرج إلى المحل المجاور لأكمال تجهيز الملابس الرياضية ، مع كرة قدم جديدة و ( أصلية ) !!
كان سعيدًا جدًا لحصوله على ما يريد ، تقدمت منه إحدى الشحاذات ، مد يده لها ببعض المال شكرًا لله تعالى .
في طريق العودة ، كانت سيارات النقل تخلو من أجهزة التبريد ، الوقت ذروة الظهيرة ، درجات الحرارة قد قاربت نصف درجة الغليان ، أغمض جلهم عينيه بين إغماء وغفوة ، بينما أنغمس البقية بأحاديث جانبية عما يجري في البلد من أمور سياسية واقتصادية وكيفية إيجاد الحلول لها !!
وصل البيت .. وعلى الفور الى الحمام ليأخذ دشًا باردًا .
– كيف كان يومك يا ولدي ؟ وهل حصلت على ما تريد ؟
– الحمد لله ، سأريك ماذا اشتريت
– لكنك عندما دخلت البيت ، كانت يداك فارغة .. كنا نظن إنك لم تشترِ شيئًا !!
– يا ويلي .. لقد نسيتها في السيارة !!
التعليقات مغلقة.