سيدة القصر
منال عساف
هي ليست أميرة تزوجها الأمير فأهداها قصرا ، ولا هي سليلة العائلة المالكة فورثت القصر ، هي إنسانة بسيطة ، في كل صباح تراها في طريقها لعملها ، تمشي قليلا ثم تجلس في أي مكان جانبي إلى أن يفتح القصر أبوابه العالية ، أحيانا تكون مبتسمة وهائمة تتحدث بصوت غير مسموع كأنها على موعد مع حبيب ، غامضة إلى أبعد الحدود لأنها تتحدث مع نفسها كثيرا ، وقليلا ما ترد التحية على أحد ، لا يعلم أحد أية تفاصيل عن حياتها وإن كانت شخصيتها مثيرة للفضول ، ومثل كل صباح دخلت القصر جمعت أدواتها التي تعمل بها ، تبدأ عملها الشاق في الممر الخارجي للقصر ، هي لاتنظف المكان كغيرها ، بل هي دقيقة في طريقة تنظيفها ، في البداية تلتقط من الأرض الأشياء الظاهرة وبعدها تبدأ الكنس وكأنها في مسابقة للفوز بصاحبة أفضل مكان ، رغم انها تنفصل بنفسها وجسدها عمن حولها تماما وتهتم فقط بعملية التنظيف الدقيقة التي تقوم بها ، تظل في المكان ذهابا وإيابا تنتقي أدق الأشياء من الأرض ، تعمل تحت المطر وكأنها لا تشعر به ، وتحت حرارة الشمس أيضا في نهار أغسطس حتى أنها تجعل الجميع يشفق عليها من البرد القارص والشمس الحارقة ولكنها لا تهتم بكل ذلك ، ليس هذا فحسب ، بل إنها مسؤلة عن نظافة جزء محدد من القصر تحرص على قضاء وقت عملها بأكمله في نظافة هذا المكان حتى لو إضطرت لإعادة النظافة أكثر من مرة ، لا تترك المكان إلا وهو على أكمل وجه ، الجميع يتعجب منها ومن أسلوب عملها ، فهي لا تتحدث مع أحد عن أي شيء ، الجميع خارج عالمها الذي تعيش فيه وحدها ،ولكنها حريصة كل الحرص أن تؤدي عملها بضمير صحو تماما من أجل جنيهات قليلة لاتغني من جوع وتكتفي بها في عزة نفس يتعجب لها الجميع ، فهي ترفض أي إكراميات من أي أحد مهما كانت قيمتها كبيرة، ويوم أن تحتاج للمال تطلب سلفة من المرتب الكسيح الذي تستند عليه طوال الشهر ، وما إن تنتهي من عملها حتى تستبدل ملابسها الرثة بأخرى نظيفة وتلملم أغراضها وبقايا من نشاط يساعدها على الرحيل وتمضي خارج القصر في الموعد المحدد للإنصراف ورغم أنها ليست مهندمة بشكل كبير ولا هي متحدثة لبقة إلا أن عفة نفسها وضميرها اليقظ في عملها لا يجعلها أهم شخصية في القصر فحسب ، بل يجعلها هي سيدة القصر
التعليقات مغلقة.