سيرة الأنسة حسنية بقلم سيد جعيتم
بلغت الأنسة حسنية عامها الثامن عشر ، واستوت واستدار قوامها وخرطها الخراط، وككل بنات الحارة تحلم بأن يطرق الباب ابن الحلال.
أصاب القلق امها فالبنت كبرت ولم يتقدم لها عرسان.
جلسة ساعة عصاري جمعت بين أم حسنية والست عزيزة جارتهم ، ومع رشفة من فنجان القهوة المحوجة، باحت أم حسنيه للست عزيزة بما يجيش في صدرها من قلق :
حسنية كبرت يا عزيزة ياختي، تمنتاشر سنة، ما حدش خبط علي بابنا من الخطاب.
ـ حسنيه حلوه، وألف مين يتمناها، أنتم خازننها جوه البيت، الشبان ها يشوفوها أزاي، ها تميلوا بختها.
ـ نعمل إيه يا حبيبتي في طبع أبوها الحامي ، محرج عليها حتي تبص من الشباك.
ـ ياختي خليها تخرج تزور صاحباتها، يشفوها الجدعان، أدي صورتها لحميدة الدلالة، تفرجها لأمهات الجدعان .
حميدة الدلالة تبيع ما تحتاجه الأسرة كاش أو على اقساط وكعمل إضافي تعمل خاطبة توفق بين رأسين في الحلال .
تم إعطاء حميدة الدلالة صورة حسنيه و أوصتها أمها:
الصورة أمانة معاكي أوعي أبو حسنية ياخد خبر إننا أديناها لك، لو عرف ها يطين عيشتنا، حافظي عليها ( في الحقيقة أبو حسنية عنده خبر).
حاضر من عنيه، هكذا ردت حميدة
عند زيارة الست حميدة الدلالة لبيت الجيران سألت ست البيت:
سي خميس أفندي النبي حارسه وصاينه، ها يفضل من غير جواز لحد أمتى ؟
ردت امه:
والله يا حميدة بندور له على عروسة تكون من بيت كويس، مؤدبة و بنت حلال .
قالت حميدة :
طلبك عندي، حسنية بنت الجيران ، كبرت وخرطها خراط الحريم، أهلها طيبين، شوفي يا حبيبتي صورتها.
أم خميس شاهدت الصورة وقالت:
ـ المفعوصة كبرت واحلوت من زمان ما شفتهاش.
أخذت حميدة تعدد مناقب حسنية:
أدب إيه وأخلاق إيه ، بتنكسف من خيالها، خام مش زي بنات اليومين دول، شاطره لهلوبة في شغل البيت، بيضة زي أمها، متربية على الغالي مربرة مش معصعصه ( كانت البنت الممتلئة هي المفضلة )، وكمان بتعرف تقرا وتكتب ، تليق بالنبي حارسه سي خميس أفندي .
تمت الخطوبة وقبضت حميدة الحلاوة من الاسرتين وانتهي دورها كخاطبة وإن استمر كدلالة ستشارك في جلب شوار العروسة .
يوم الشبكة حضر الأهل والأصدقاء، قام العروسان بتبادل دبل الخطوبة، شبك خميس حسنية بأسورة ذهب تعبان عيار واحد وعشرين، وفي رقبتها كردان من نفس العيار، وقامت البنات بالغناء والرقص علي نقرة ونصف.
تم تحديد يوم الدخلة وكان لا بد من الاتفاق مع البلانة والماشطة والأيمة ( الواقفة للمساعدة)، ليقوموا بالذي منه تجاه العروسة، علي أن تجهز العروسة بحمام بلدي.
جاء يوم الدخلة.
الحمامات البلدية أساس عملها البخار المتصاعد من المياه الساخنة التي يمتلئ بها المغطس ( بديل الجاكوزي والساونا حاليًا ) .
اقترحت البلانة عدة حمامات أولها حمام محمد إبراهيم، الشهير بعوكل ويقع علي كورنيش النيل ، والثاني حمام التلات بمنطقة باب الشعرية بشارع أمير الجيوش وهو أقدم حمام بالقاهرة ويعود تاريخه لفترة الحاكم بأمر الله الفاطمي وهو الأقرب لسكنهم.
دخلت العروسة ومرافقتها للحمام ،في الوقت المخصص للنساء.
جلست حسنية والبنات في الساحة الخارجية للحمام وبعد الاتفاق علي المطلوب والأجر، سلموا متعلقاتهم بالأمانات .
تفصل ستارة سميكة سوداء اللون بين الساحة الخارجية وأقسام الحمام الداخلية، خلف الستارة ممر ضيق يقود إلى مكان خلع الملابس (المشلح)، وعلي الجدار تعلق عاملة الحمام الفوط ( المناشف) والبشاكير النظيفة، وتصيح عاملة الحمام مرحبة بهم وتقول يا عرايس الخروج من الحمام مش ذي دخوله. قبل المغطس الساخن
جلست حسنية ورفيقاتها في بجوار المغطس لتتعود أجسادهن على الحرارة قبل الاستحمام ، بعدها يدخلون للمغطس حيث يسود الضباب لتصاعد البخار الكثيف، ثم دخلن حوض المغطس الساخن.
حسنية العروسة لها حجرة خاصة بها ، دخلتها مع فريق العمل ، وقامت البلانة بالتخلص من الشعر الموجود بجسدها ، وقامت الماشطة بقص المناطق الغير متساوية من شعر رأسها ، وتم استحمامها بالغرفة وأشرفت الأيمة علي إحضار الماء وضبطه بإضافة الماء البارد علي الساخن حتي لا يضر العروس .
بعد أن تم عمل اللازم لحسنية بحجرتها، خرجت للمغطس مع لتستحم مع باقي البنات،.
بعد أن تفتحت مسام أجسادهن قامت البلانة بتكبيس العروسة وتكيسها بارتداء كيس علي يدها يشبه القفاز بدون أصابع لتكيس العروس (الكيس مصنوع من مادة الكتان السميك وبالضغط علي الجسم مع الماء الساخن يتم التخلص طبقات الجلد الميتة ومن أي شيء ملتصق بالجسم)
جهزت الأيمة الطمي وهو نوع من الطين يوضع علي الأكعاب والأصابع للتخلص من الجلد الزائد، ثم يعاد الاستحمام في المغطس والجلوس علي حافته للاستمتاع بالبخار مما يساعد علي تفتح العروق (الأوعية الدموية) ويجعلهم في حالة استرخاء، مع شرب المشاريب الساخنة والتسامر وإطلاق الضحكات
قامت الماشطه بصبغ شعر العروسة بالحنة الهندي ، وبعد ارتداء الملابس، جلست العروس والبنات بالبهو الخارجي، بعيدًا عن الهواء حتى بردت أجسادهن قبل الخروج للشارع، بعد طقوس الحمام، توردت وجوههن، وصاحت عاملة الحمام(حمام إلهنا يا عرايس)، وراحت رفيقات حسنية يضحكون ويغنون (يا خارجة من باب الحمام وكل خد عليه خوخة) .
يتم استكمال طقوس تجهيز حسنيه في بيتها، بدأت الماشطة في تصفيف شعرها ونتف حواجبها وصباغة شفايفها وخدودها باللون الأحمر الوردي ، ثم اشتركت البلانة والأيمة في تلبيسها فستان الفرح وتزينها بالحلي .
بعد المغرب بدأت مراسم كتب الكتاب وتعلية الجواب، حضر مأذون الحي بدفتره، وضع خميس أفندي يده في يد والد العروس ووكيلها ،التف حولهم الرجال من الأسرتين، تم تغطية يد العريس وأبو العروس بمنديل أبيض معطر بماء الورد، فور الانتهاء من مراسم كتب الكتاب تسابق الحاضرون لخطف المنديل، انطلقت زغاريد النساء، وبدأن في الغناء :
زغرودة حلوه رنت في بيتنا ، لمت حارتنا وبنات حارتنا .
ـ يا صينية فضة من الدهب واللولي .
ـ يا فرحت أمك يا هناها الليلة ،أن شاله تعمريها، قولي له يا حماته ، دا هوه اللي في أخواته، وتتكرر الأغاني . والأعيان كانوا يستقدمون العوالم ( الراقصات ) لإحياء الفرح ، إلي أن تأتي اللحظة الحاسمة لحظة أخذ وش العروسة ( فض غشاء بكارتها) .
لفريق البلانة والماشطة والأيمة دور في مساعدة العريس لأخذ وش العروس( تمزيق غشاء البكارة ) بالطريقة البلدي، فعليهم مسك العروس ليتمكن العريس من أخذ وشها، يلف العريس منديل أبيض علي اصبعه.
خميس أفندي متعلم وسيأخذ وجه عروسه بالطريقة الشرعية ( كما يقولون سيأخذ وشها بحجره) .
يظل الفريق ( البلانة والأيمة والماشطة ) بالباب حتي تأتي البشارة بإخراج منديل أبيض به دماء غشاء البكارة.
تنطلق الزغاريد والأغاني ويا بلحة يا مقمعة شرفتي أخواتك الأربعة .
انتظروني مع الحمل والوحم
التعليقات مغلقة.