سيمياءُ اللغةِ والعزفُ على وترِ التضاد ” دراسة نقدية تحليلية “لقصيدة “لقـاء…فـراق” للشاعرة د. “ريهان القمري . نقـد وتحليل” أسـامــة نــور”
سيمياءُ اللغةِ والعزفُ على وترِ التضاد ” دراسة نقدية تحليلية “لقصيدة “لقـاء…فـراق” للشاعرة د. “ريهان القمري . نقـد وتحليل” أسـامــة نــور”
لقاءٌ ….فراق شعر/ د. ريهان القمري
لقاءٌ ، فراقٌ…. فراقٌ ،لقاءْ
أيا قلبُ مهلا كفاكَ شقاءْ
تركتَ الأحبةَ عند اغترابٍ
وعُدتَ وحيدًا صديقَ الهذاءْ
وهذي البلادُ تنادي بوجدٍ
“تعالَ فأنتَ المُنى والهناء “
فمنذ رحلتَ بكتكَ ربوعي
وهذي سمائي علاها الرثاءْ
أيا قلبُ كنت نهارَ ديارٍ
رحلتَ فباتتْ ديارًا خواءْ
فلا الروح فيها و لا الشمس طلَّتْ
ولا الدفء فيها ينادي الشتاءْ
وتلك الحياة فماذا تكونُ؟
أيا شمسُ غابتْ بليلِ السماءْ
لماذا رحلت ؟ و ماذا جنيتَ ؟
فقل لي متى سوف تنوي البقاءْ؟
أليس هناك قلوبٌ تناجيك
شوقا لتبقى ويبكي النِّجاءْ؟(م)
أليس هناك الأحبة فيها
وفيها التوددُ و الأقرباءْ؟
أليس هناك نداء الحياةِ
لتخلعَ عنك المُواتَ رداءْ؟
أليس هناك بحارٌ و نيلٌ
وشط تغنى به الأوفياء ؟
وتلك الأماسي تهبُّ نسيما
عليلا فيحلو الشذا و الغناءْ
فقل لي متى سوف تأتي بلادا
وتسقي ديارا إليك ظِماء؟
وأين الطريق ؟؟ ألا قد علمت
زرعتَ سنينا ، جنيتَ الغثاءْ!!
وحيدا وُلدتَ.. و حيدا مشيتَ
وحيدا سينساك حتى الرثاءْ
لقاءٌ ، فراقٌ…. فراقٌ ،لقاء
فهل يوقف الدمعَ صوتُ الرجاءْ؟
النقــدوالتحليــل :-
مقدمة :-
من سمات الإبداع التجديد على مستوى البنيةوالمضمون واختلاف زاوية التناول ،ومكاشفة الوجدان بطرح جديد
وآلية تعبيرية غير نمطية ،مشتقة من رؤية تتوازى مع المشاعر الوجدانية ؛تبعث الخلق الإبداعي ،الحركة والتناغم والتنغيم داخل النص ،وتحقق الدهشة والإمتاع ..بحيث يتماس معها المتلقي ،وتشكل اللاوعي الجمعي .
فيكون بمثابة زاوية إنعكاس لبقعة ضوء صوتية تتمادى في الأفق الذهني ،والوجداني له..
والشعر هو فن التعبير الذاتي ،وكلما أتقن الشاعر التعبيرعن ذاته ،تأثر الآخر به وتماس معه ،فتتسع الحالة الذاتية لتصبح توجه تعبيري عام.
فالشعر خاص لكنه يعبر عن التشكيل الوجداني العام . عن ديناميكية الذات وتمردها والرغبة و المكاشفة والتحرر .
في ماهية العنوان “
إن العنوان مدخل رئيس لقراءة واستكشاف النص وقد أعطى الناقد الفرنسي “جيرار جينت “في كتابة عتبات النص”
العنوان أهمية كبيرة بل ذهب إلى أنه نص مصغر يدل على فحوى ودلالة النص الأصلي.
والعنوان هنا “لقاء ..فراق”
يتكون من كلمتين متضادتين ..تحملان كتير ًا من المشاعر المتقابلة، والحراك الذهني والعاطفي ،والدلالات اللغوية ..
“فاللقاء”
يحمل السعادة والاستقرار النفسي والفكري ،الطمأنينة،
والفراق يحمل الحزن والألم، الخوف على النفس والآخر والمكابدة النفسية .التي تتصاعد وتلتهب إذا امتزج الاغتراب بالغربة ؛فيفقد المرء التكيف مع حالته .
العنوان مؤثر له صدى وتأثير صوتي ومراوغةوجدانية .فكلمة لقاءنكرة للتعظيم وقعت خبرًا لمبتدأ محذوف تحمل آيات السعادة والرضا النفسي.
.ثم يحد القارئ النقاط التي تمثل البعد الزماني والمكاني واضطراب المشاعر ثم يحد كلمة فراق وهي أيضًا نكرة” للتهويل ” بكل ما تحمله من الأسي والحزن.وكل كلمة منهما تتكون من أربعة أحرف ، لهما الترتيب الصوتي نفسه..ولكنهما تتوازيان و تتضادان في التغيير الفسيولوجي وحدته.
من حيث الشكل والموسيقى الخارجية
كتبت الشاعرة النص على الشكل العمودي حيث التزمت الوزن والقافية بحرف رويها الهمزة الساكنة ،والتزمت الشاعرة بحر المتقارب التام.( فعولن ،فعولن ،فعولن ،فعولن )
وما يناسبه من زحاف وعلل
وبحر المتقارب بحر مطرب ؛ لموسيقاه تأثير في النفس
يعبر عن الصراع وعمق المشاعر الإنسانية واختلافها ،له إيقاع سريع ؛لتقارب أسبابه .لذلك فهو يلائم الجو النفسي والشعوري في النص ، وجاء البيت الأول مصرعًا فأعطى نغمة موسيقية وإيحاء بعمق الحالة .
فتقول فيه:-
لقاءٌ ، فراقٌ…. فراقٌ ،لقاءْ
أيا قلبُ مهلا كفاكَ شقاءْ
استخدمت الشاعرة التدوير في البيت التاسع ..والتدوير
هو وصل الشطر الأول في البيت مع الشطر الثاني عروضيًا.
فتقول الشاعرة :-
“أليس هناك قلوب تناجيكَ
شوقًا لتبقى ويبكي النجاءْ؟”(م)
والتدوير هنا يدل على التسارع الصوتي .وامتداد النفس الكلامي بما يحمله من تساؤل وتعجب .
ووضعت الشاعرة حرف الميم في إشارة إلى تدوير البحر عروضيًا.
** القافية هنا مقيدة ، حرف رويها الهمزة الساكنة قبله ألف التاسيس.
ومن صفات الهمزة:- الجهر ،والشدة ،والاستفال،والانفتاح ،والإصمات،
وهي صوت انفجاري في نطقه ؛ حيث يحتاج لجهد عضلي كبير ،لهذا يتناسب روي الهمزة مع الحالة والرؤية للشاعرة
حيث يبين أنها واقعة تحت ضغط العناء والمشقة،والقلق النفسي ، والصراع الفكري .
والسكون توحي بالثبات ،بالعجز عن اتخاذ القرار ،فدبالوقوف في منطقة” بين بين ” .
ونجد من كلمات القافية ما يؤكد ذلك مثل :-
“شقاء، الهذاء،الرثاء ،خواء،الشتاء،الغثاء ،صوت الرجاء.”فصوت الهمزة جاء موازيًا في دلالته لهذه المعاناة ،والألم النفسي .
لهذا شكلت والقافية وحرف رويها إطارًا صوتيًا يعكس الحالة ،ويتناسب معها، في حركة وتناغم موسيقي .
من حيث اللغة و المضمون والتجربة الشعرية “
استخدمت الشاعرة اللغة الحية المعبرة بسلاسة ووضوح عن الحالة والتجربة الشعرية ..فاختارت الألفاظ الأعمق دلالة وشعورًا بحيث تعكس الحالة المتباينة ،والحوار الذاتي المتعمق في بؤرة التمزق الشعوري، فنجد الألفاظ الدالة الموحية ،ونجد التكرار والتركيز على الحالة مثل ..لقاء فراق /..فراق ./.لقاء /اغتراب /عدت وحيدًا
“بكتك دموعي/ “رحلت فباتت دياري خواء/ “أليس هناك الأحبة فيها “/وحيدًا ولدت وحيدًا مشيت /
وحيدًاسينياك حتى الرثاء.
لغة حية ،تسير في سيميائية باستخدام ثنائية الدال والمدلول تعبر عن الحالة ،وتتناغم مع الجوالنفسي والشعوري
واتسقت مع المضمون والتجربة الشعرية ؛فهي تعبر عن تعدد لحظات اللقاء والفراق …عن الغربة المكانية وأثرها في النفس
فتخاطب قلبها وكأنة شخص تحاوره وتسأله..
فتقول :-
لقاء، فراق …فراق لقاءْ
أيا قلب مهلًا كفاك شقاءْ
تركت الأحبة عند اغترابٍ
وعدت وحيدًا صديق الهذاء
وهذي البلاد تنادي يوجد
” تعالي فأنت المنى والهناءْ”
حسن استهلال، حسن تقسيم ،تضاد ،نداء ، أمر ،جناس
تصريع ،تناغم صوتي وموسيقي كل هذا نجده في البيت الأول …
فاستخدام الخبر والإنشاء أشعل الحالة ..وجذب المتلقي ،وترك الأحبة في اغترابهم الفكري والإبداعي والنفسي، والغربة والاغتراب يمزقان النفس
ورغم مرارة الغربة ،وقسوتها ،لكن الاغتراب أكثر قسوة ،وإيلامًا للنفس.
واستخدام التناص اللفظي ” تعالى فأنت المنى والرجاء”
مع قول الشاعر :-
“فلسطين أنت المنى والرجاء …فلسطين شعبك لاقى العناء “
ثم تتحدث الشاعرة بعد ذلك عن تأثير الغربة وتجاوب الطبيعة مع الشاعرة وحالتها ؛فالربوع تبكي
والسماء علاها الرثاء ،والديار خراب خاوية ..
فتقول الشاعرة :-
فمنذ رحلت بكتك ربوعي
وهذي سمائي علاها الرثاءْ
أيا قلب كنت نهار ديارٍ
رحلت فباتت ديارًا خواءْ
فلا الروح فيها ولا الشمس طلتْ
ولا الدفءفيها ينادي الشتاءْ
أبيات رائعة معبرة ، تفصل الشاعر قلبها وتستخرجه في شخصنة تفاعلية ، مونولوج ذاتي وكأنها تستصرخ حبيبًا رحل ،وتلتمس منه البقاء .وتسخدم الترادف تارة ،والتضاد تارة أخرى لتؤكد الحالة وتبرهن عليها.
لذلك تستخدم لفظ الشتاء كرمز لتيارات القلق والصقيع والمطر النفسي ،والغرق الوجداني ..
ثم تنتقل الشاعرة إلى التساؤل وتكرر الاستفهام المنفي “أليس”الدال على التقرير والتأكيد في محاولة الإقناع وتناولت في التساؤل الجانب الشعوري الوجداني والعلاقات الإنسانية ،والقربى والحب والود.،والجانب المادي الحسي بحار ونيل وشط تغنى به الأوفياء ..مؤثرات حسية بصرية ،وتساؤل يثير الذهن ،تقسيم يؤثر في النفس ويعطي جرسًا موسيقيًا.
ووصف موجز للجمال المعنوي والدفء الوجداني ،وكذلك
للجوانب الحسية ومظاهر الطبيعة في مصر.
أليس هناك قلوبٌ تناجيك
شوقا لتبقى ويبكي النِّجاءْ؟(م)
أليس هناك الأحبة فيها
وفيها التوددُ و الأقرباءْ؟
أليس هناك نداء الحياةِ
لتخلعَ عنك المُواتَ رداءْ؟
أليس هناك بحارٌ و نيلٌ
وشط تغنى به الأوفياء ؟
يظهر هنا الذوبان العاطفي ،ورقة المشاعر ، وجذب انتباه المتلقى وإثارة ذهنه بالاستفهام ، وإشراكه في المشاعر الوجدانية .بتنوع الأسلوب .والصدق الفني والعاطفي .
فتقول الشاعرة :-
وتلك الأماسي تهبُّ نسيما
عليلا فيحلو الشذا و الغناءْ
فقل لي متى سوف تأتي بلادا
وتسقي ديارا إليك ظِماء؟
وأين الطريق ؟؟ ألا قد علمت
زرعتَ سنينا ، جنيتَ الغثاءْ!!
وحيدا وُلدتَ.. و حيدا مشيتَ
وحيدا سينساك حتى الرثاءْ
لقاءٌ ، فراقٌ…. فراقٌ ،لقاء
فهل يوقف الدمعَ الرجاءْ
تستمر الشاعرة في دغدغة المشاعر ، واستجلاء الذكرى ، وتخير أعمقها أثرًا ؛ فمن منا ينسى وقوفه في المساء على شاطىء النيل ؛مستنشقًا الهواء الجميل ، وهو يرى أجمل المناظر ،وأوقعها في النفس .
تنتقل الشاعرة من هذه اللحظة الحالمة ،إلى
أمسيات مصر ولياليها على ضفاف النيل مستخدمة” تلك”
اسم إشارة البعيد يفيد هنا التعظيم . وتستصرخ الشاعرة بتساؤلها الذي يفيض تعجبًا وحيرة “وأين الطريق “..وكيف تطيب الحياة في العيش وحيدًا منذ الميلاد ،في الحياة،وفي الموت ؛وحدة زمانية ومكانية، مادية ومعنوية .
ويتناص هذا البيت مع حديث الرسول الكريم عن أبي ذر الغفاري ” رضي الله عنة”
ثم البيت الأخير تكرار للتأكيد ثم الاستفهام الذي يحمل التمني ولكنه تمَنٍ صعب المنال .
مضمون مؤثر فيه صدق فني شعوري ،وتجربة شعرية خاضتها الشاعرة ،وعاشتها وتعيشها.
فجاءت المفردات معبرة . يتماس معها المتلقي .
من حيث الأساليب والصور وفنيات الإبداع”
تدرك الشاعرة بذائقتها الفنية وإحساسها المرهف ،قيمة الأساليب والتراكيب ودورها في إظهار الحالة ،وجذب المتلقي والتأثير عليه لذلك نوعت في استخدام الأساليب . فنجد الأسلوب الخبري؛ للتقرير والتأكيد ،و الأسلوب الإنشائي لأغراض بلاغية ..
فمن الأساليب الخبرية :-
‘لقاء فراق فراق لقاء/”تركت الأحبة عند اغترابٍ”/”وعدت وحيدا”هذي البلاد تنادي يوجد”/”فمنذ رحلت بكتك ربوعي”/فلا الروح فيها ولا الشمس طلت/وتلك الحياة/وتلك الاماسي تهب نسيمًا/
ولكن الأسلوب الإنشائي كان له حضوره الكبير المؤثر في النص ؛وذلك جذب المتلقي وإثارة الذهن وتعميق الحالة والإحساس بها ..
فنجد النداء في البيت الأول للتنبيه والالتماس والاستعطاف ” أيا قلب ” /وكذلك أيا قلب كنت نهار ديارٍ/
“أياشمس غابت بليل السماءْ”
ونجد الاستفهام الذي كثر استخدمه ليعبر عن الحيرة والقلق ، والرغبة في المكاشفة ،والتعجب والاستنكار ” والتقرير والاقناع .
فنجد ذلك في “فماذا تكون ؟! / “لماذا رحلت ؟! وماذا جنيت ” متى سوف تنوي البقاء”؟!
ثلاثة تساؤلات في بيت واحد فيها تدرج منطقي كلها تفيد التعجب والاستنكار “
والاستفهام المنفي للتقرير والتأكيد في “:أليس هناك قلوب تناجيكَ”/أليس هناك الأحبة فيها/ أليس هناك نداء الحياة / أليس هناك بحار ونيل /
ثم “متي سوف تأتي بلادًا”للتمني ،ويوحي بطول الغربة وآلامها.
وأين الطريق ؟! التعجب والحيرة ثم “ألا قد علمت ” للتقرير والتأكيد
ثم تختم النص باستفهام يحمل التمني فتقول ” فهل يوقف الدمعَ صوت الرجاء”؟! وهل هنا لتمَنٍ يصعب تحقيقه ..
ونجد أيضًا من الأساليب الإنشائية الأمر الذي يفيد الالتماس والاستعطاف في قولها ” مهلًا” اسم فعل أمر بمعنى تمهل / وكفاك / تعال/فقل لي /…
الصور الفنية :-
للصور الفنية والجمالية أثرها في النص فكلما اتسمت بالطرافة والتجديد ، وابتعدت عن المباشرة ؛لتحلق في عوالم أرحب وأمداء أوسع ،وتخيلات أعمق ،تعبر عن النفس وتعكس صورة لها وللصراع
داخل النفس . أحدثت تجاوبًا مع المتلقى وحققت الدهشة والإبهار ،والهزة النفسية .
وقد اجادت الشاعرة في التصوير فجاءت الصور معبرة في موضعها طريفة وتنوعت بين الحسي والمعنوي والحركي ، فكانت الصور سمعية بصرية ..
ومن ذلك / أيا قلب مهلًا / تركت الأحبة / عدت وحيدًا/ البلاد تنادي بوجد/ رحلت فباتت ديارًا خواء/فلا الروح فيها/ ولا الشمس طلت / لتخلع عنك الموات رداء/ تلك الأماسي تهب نسيمًا/سينساك حتى الرثاء/ صوت الرجاء /
صور جزئية تعبر عن الحالة والتجربة الشعرية ..كذلك كان للرمز حضور ودلالة مثل / الشتاء/ السماء/ شمس/
الموسيقى الداخلية :-
تقوم الموسيقى الداخلية بدور كبير في الشعر ؛فهى التي تحدث التشويق والإثارة والاستمتاع ،وتظهر من خلال حسن اختيار الكلمات وتنوع الجمل والأساليب ، وحسن التقسيم ،وتوازن الجمل والعبارات واستنطاق الجملة ،واختيار المفردات المناسبة المعبرة عن الحالة الوجدانية والشعورية .
واستخدام التقطيع الصوتي والجناس والترادف والتضاد.وغير ذلك من المحسنات البديعية ،وجميل المعاني ونجد ذلك في :-
التضاد والتكرار في “لقاء ،فراق ..فراق ،لقاء” وكذلك التضاد في تركت ..وعدت / نهار ديار ..ديارًا خواء/ رحلت البقاء/ الحياة الموت /زرعت جنيت /
تصاد يقوي المعني ويظهر ويعمق الفكرة والحالة .
التصريع في البيت الأول والجناس الناقص بين لقاء وشقاء والتكرار في قولها
.”لقاء ،فراق ..فراق ،لقاء
أيا قلب مهلًا كفاك شقاء “
نلحظ الانسياب الموسيقى والإيقاع المطرب المتهادي العذب ..وكذلك الترادف في “المنى والهناء”
تكرار النفي للتأكيد ..مع حسن التقسيم بجرسه الموسيقي في قولها :-
فلا الروح فيها، ولا الشمس طلت
ولا الدف فيها ينادي الشتاء
تكرار الاستفهام في قولها” لماذا رحلت ؟! وماذا جنيت ؟!”
وتكرار الاستفهام المنفي باستخدام أليس؟!..
ونجد الجمال الموسيقى الفريد في حسن التقسيم والجمل المتماثلة المتجانسة التي تمثل العزف على وتر الشوق المتصل بكمان القلب الملتاع بالحنين .
ونجد ذلك في البيت الأول وقد سبق ذكره .
“لقاء، فراق …فراق لقاءْ
أيا قلب مهلًا كفاك شقاءْ”
وكذلك في :-
“فلا الروح فيها ،ولا الشمس طلت
ولا الدفء فيها ينادي الشتاء “
وكذلك في لماذا رحلت ؟ وماذا جنيت ؟
“أليس هناك بحار ونيل
وشط تغنى به الأوفياء”
ونلحظ العطف الذي يفيد التعدد والتنوع ..
وكذلك في :-
وأين الطريق ؟! ألا قد علمت
زرعت سنينًا، جنيت الغثاء !!
وكذلك التقسيم الرائع المتناغم في:-
وحيدًا ولدت ..وحيدًا مشيت
وحيدًا سينياك حتى الرثاء “
استخدام رائع للجمل .واستنطاق لها ..يبرز الحالة في إطار فني بديع
يعتمد على الإيجاز والتكثيف والتلميح ،ودقة التصوير ..وحسن اختيار الألفاظ. ..والوحدة العضوية .
فامتزجت الموسيقى الخارجيةمع الداخلية مماجعل النص كائنًا حيًا يشع بالحركة والتناغم الموسيقي..
يتماس مع الآخر ويؤثر فيه ،ويحقق له المتعة.والسرور الداخلي .
التناص والمؤثرات داخل النص
استخدمت الشاعرةالتناص في إطار جمالي موسيقى يعبر عن الحالة ؛ فكان التناص مؤثرًا ديناميكيًا يناسب الحالة والجو النفسي والشعوري فامتزج بالعمل .
ونلحظ” التناص ” في قولها
وهذي البلادُ تنادي بوجدٍ
“تعالَ فأنتَ المنى والهناء”
فهناك تناص “فأنت المنى والهناء “مع بيت للشاعر الفلسطيني ( عبد الرحيم محمود) يقول فيه:-
فلسطين أنت المنى والرجاء .. فلسطين شعبك لاقى العناء
وفي قول الشاعرة :-
“وحيدًا ولدت وحيدًا مشيت
وحيدًا سينياك حتى الرثاء”
فهو تناص مع الحديث الشريف الذي قاله الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم – عن أبي ذر -رضي الله عنه- ” رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده “
وجاء التناص متسقًا من حيث المفردات والمعنى والترتيب مع حديث الرسول الكريم .
فأعطى التناص بهاء وجمالًا للنص ،وعمَّق الشعور والتجربة ..
وجعلها حركية متفاعلة ..
ومن المؤثرات الحركية أيضًا لقاء فراق/تركت / وعدت / تعال/رحلت / بكتك /غابت / جنيت / تهب /
ومن المؤثرات السمعية :-
تنادي / تناجيكَ / نداء/ الغناء/الرثاء / صوت الرجاء.
ومن المؤثرات الضوئية :-نهار/ الشمس /ليل/ الأماسي
التجديد النص “
القصيدة تنتمي للشعر العمودي ..لكنها اتخذت المضمون الحداثي ، فقد حققت الموازنة بين الشكل الكلاسيكي وحداثة المضمون والعرض .ويظهر ذلك من خلال :-
١- العمق الفكري والشعوري ،توافر بالذاتية والوجدان ،والوحدة العضوية داخل النص.
٢- استخدام اللغة الحية والمفردات ذات الدلالة والرمزية والعمق.والتلميح.
والاعتماد على الجمل المتوازنة ذات الإيقاع المتناغم .
٣-تنوع الأسلوب ومشاركة المتلقي وجدانيًا وذهنيًا عن طريق التساؤل وتكراره.
٤-الصور تنبع من الذات ،والطبيعة ..انتقلت من الحسي للمرئي يتداخل معها الرمز، وتعتمد على اللقطات الموحية ،والإيحاء والتضاد ..
٥- التشكيل الموسيقي حيث جاءت الموسيقى بشقيها الخارجي والداخلي متجاوبة مع الحالة الوجدانية..تعكسها وتسير في تناغم يحقق النشوة والاستمتاع.
قصيدة تتميز بتوافر آليات وفنيات الشعر ..وتوافر الإبداع على مستوى الشكل والمضمون ..
لها تأثير على المتلقي فكرًا ووجدانًا؛ فيتماس معها وتعكس
الجانب النفسي والسيكولوجي للشاعرة ؛ لصدقها الفني ورقة الأسلوب والمحافظة على القيم وإعلاء الذات .تحوي التشويق والإثارة والاقناع ،جمعت بين الفكر والعاطفة والأصالة والمعاصرةوالحداثة في قالب موسيقي خلاب فتحقق فيها الإبداع والإمتاع.
تحياتي : أسامــة نور
التعليقات مغلقة.