سِفر الأحلام بقلم زينب عبد الكريم التميمي
يوم قائض في أرض تتناوشها الرياح السموم في حدود الفيلق الرابع ,اللواء العاشر المدرع, إنطلقت ضحكاتهم على قوري الشاي المسخم من أثر الحطب مع شجن صوتهم,ملجأ عبارة عن اكياس جنفاص مليئة بالرمل لكنها كانت صومعة الأمان لهم, وكراسي من صفائح تأكلت وانطعجت فباتت ككرسي مظلع ,مابين الضحك والحزن ولوعة الاغتراب بعد خمس وستون يوماً من عدم النزول بسبب تحضير لهجوم مباغت على العدو, كان هو سارحاً وأثرٍ لملح بعض من دمع في طرف عينيه يستذكرها , حبيبته, رفيقة صباه وتلك الأمنيات التي طرزوها ورسموها على جذع الشجرة التي كانا يلتقيان تحتها .
أحدهم يطبطب على كتفه :لاتقلق ,أكيد سترفض,لاأعتقد إنها ستقبل,مابينكم أكبر من أي مغريات مادية أخرى ومن أي ضغوط.
لم يهدأ, لم تستقر قريحته وهو لايعرف للخلاص طريقا لم يكن ينوي تركها وحيدة بين كل تلك الضغوط عليها حتى تقبل بخطيبها , ماذا يفعل ؟ الحرب
والقصور المادي وضروف عائلته وعددها الذي يفوق قابليته وإعالتهم بعد رحيل والده ,لازال هناك الكثير الكثير ليقف عائقا بينه وبين متطلبات أهلها .
“أحببتها بجنون لكن الحب وحده لايكفي أمام عجزي, صعب أن يكون الحب مبتوراً لابد من مقومات لتتويجه بالزواج” قالها
وقد إختلطت دموعه بعرقه الذي توشح وجهه .
جهاز المحاكاة : من مقر القيادة الى قيادة الميدان حول.
العقيد ابراهيم : تم سيدي, حول.
الجهاز: اثنان وستون ,أي أج ثلاثة , اسود .
سكت الجهاز وسكتت معهم كل قهقهات الضحك وبدا الشحوب واضحاً
: إذن الهجوم الساعة الثالثة فجراً,
لم يبق سوى ساعة ونصف هيا تهيأوا
هاهو الفجر بدأ وبدأ التحرك , استقل هو وثلاثة آخرون الدبابة T72 كان هو يقودها .
صعدوا بعد أن تركوا في ذلك الملجأ كل أحلامهم وأشواقهم, بدا ساكتاً, مهموماً ليس خوفاً من الهجوم فها هي السنة السابعة على الحرب بل خوفه من أن تظن حبيبته به سوءا فتحسب أنه تركها وحيدة لآلامها فينطفئ وهجان الحب في قلبها تجاهه.
بدأت القذائف تتطاير كحبات المطر, قصف متبادل بين الطرفين .وهو يقود دبابته بكل حزم المقاتل الذي حدد مسبقا عدوه في رأسه .
:أريد ثلاثة اطفال,على أن يشبهوكِ .
:لا , كيف سنربيهم فليكن واحد فقط حتى نرتب امورنا وبعدها نفكر بآخر
:لاعليكِ, سأعمل ليلا ونهار أريد لك حياة كحياتكِ لاأريد لك مستوً أقل مما أنتِ عليه.
:لاتتحدث عن المستويات .
:إنتبه أدر سبطانة المدفعية, دبابة من الجنب الاخر .فز على صوت صديقه بعد أن أخذه تفكيره بعيداً .
بدا له المنظر كسرابٍ يعلوه الدخان
,كان يرى خلفه وجه حبيبته ,وضع يده على زر الاطلاق ارتعش جسمه ,إقتضب وجهه أعداء كثر أمامه ,الفقر ,خطيب حبيبته ذو الكرش المتهدل ,الحرب ,العدو
كان يضغط وكأنه يحاول أن يقتل كل هولاء
تحت مسمى عدو الوطن .
لازال الهجوم مستمراً ,تقدم سريع في حدود العدو, جثث متوزعة هنا وهناك وأسلاك تموت تحت وطاة عجلات الدبابات, مر ذلك كله كشريط سينمائي في.رأسه الملىء بتراكمات عمره البائس.
هل يذهب كل ذاك الحب هباءً وكل تلك السنين من الانتظار,
لم يكن يريد أن يغيب عن الوعي .لكن حالة ما تستحوذ عليه حالة من اللاشعور هي عاطفته التي لايستطيع كبح لجامها وشوقه الذي بات مخنوقاً . رغباته في إحتضانها ,
وحلمه السافر بان تكون أما لأولاده ,
صراع داخلي مكبوت, أحاسيس فياضة لم تكن لتهدأ رغم عاصفة القذائف التي تتوالى نحوهم ,زحف سريع لسرايا الجيش وغطاء جوي بطائرات الميج ١٦ لم ير قبله مثيلا كان يتقدم سريعا كما عمره الذي ضاع بانتظار أن يعد نفسه للزواج منها .
هدف ,إثنان ,وأهداف أخرى دكها, هاهي النهاية مشارف القرى المحددة للتحرير,
نهاية المطاف, دخان يتصاعد ,جلبة ,أصوات تتصاعد, ترجلوا بسرعة احمد, علي,حسين
هل أنتم بخير؟ صمتت الأصوات, لاجواب .
صوت يأن :أوصل رسالتي أرجوك ,
وأبلغها أنني أحببتها كما وطني.
أغلق عينه, مات هو وماتت هي في حضن لم تحلم به يوما.
التعليقات مغلقة.