“شاهد حى” … محمود حمدون
” شاهد حيّ “
محمود حمدون
لكي تكتمل دائرة الاتهام كان من الضروري الإستعانة بشاهد حي على الواقعة فلم يجدوا غيري, على الحياد و جديد بينهم, إذ كنت حديث عهد بالمكان و الناس , لا أعرف عنهم إلاّ قشورا .
- أرسل كبيرهم في طلبي .قال : أنت شاهد حيّ على الواقعة , نحن يا ولدي لا نكيل لأحد اتهامات بالباطل إلاّ عن بيّنة ,باعتراف بخط يده .
= لكنيّ لم أر شيئاً , .
ندري ذلك ,هذا أدعى أن نطلب شهادتك فأنت لا زلت على الفطرة لم تتلوّث بعد , فهل تثق فينا؟
= سكتُّ , لم أجد جوابًا يُخرجني من مواجهة جاءت قبل أوانها .
- حسنا نعتبر سكوتك موافقة ضمنية بأننا أتقياء أطهار ,لا نضمر عداوة للمتهم , ثم ربت على كتفي : الحق وأشار من طرف خفي للمتهم , قد وجدناه شيطاناً رجيمًا ,أنت تدري أن الشياطين ينبغي أن نتعوّذ منها , نرجمها و لنا في رقبة هذا الرجل قصاصًا نسعى وراءه ,عدلا نطلبه ولا سواه , ,ليس لك إلاّ أن تدلي بشهادتك و تُقرّ بما نذكره لك . حينما جاء موعد المحاكمة ,كانت سريعة جدا ,قصيرة للغاية فكل شيء كان قيد ترتيب مسبق , لم أجد سوى أن أدافع عن الرجل في ضوء ما خبرته من معرفة سريعة به ,عنه , فنّدت كافة الاتهامات التي وُجهتّ إليه بمنطق ذهب بها أدراج الرياح, لكن في ذات الوقت أشعلت في قلوبهم ضغينة ظلت متقدة تحت الرماد فترات طويلة , ناصبني أغلبهم العداء والبغضاء ليس لشيء إلّا لأنّي أفسدت مُخططا أحكم صنعه بعض كبارهم. تغيرّت الظروف بسرعة غريبة ,تقاربت المصالح ,أصبحت عداوات الأمس صداقة مقيمة ,أصبح ما بينهم وبين ” المتهم ” ألفة و مودّة كبيرتين . فأنكرني هو ,قرأت في عينيه نظرة شماتة و سخرية , فآويت ذات مساء في ليلة باردة حالكة الظلام إلى ربوة عالية من الجبل حيث ناجيت الريح , تسامرت مع الهوام فوجدت في عيونهم جميعاً نظرة شماتة قوية ممزوجة بسخرية مرّة.
التعليقات مغلقة.