شجرة النارنج “الحلقة الأولى “
بقلم هيفاء البريجاوي -سورية
الأقلام تبكي والسطور تتكلم
الحلقة الأولى
استيقظ باكرا كعادته ،،يجمع الحطب المتناثر بين زوايا بيته المتصدع الذي تشققت حيطانه اللبنية ،،
من هول تصدع انفجارات شتت أوصال أفرادأسرته ،كما قلبه الذي تهاطلت عليه صفعات التشرد الجاثمة بصلب سنينه المشتاقة لدفء وقود يفرغ زفرات الصقيع الذي تجمدت به أوصاله الهرمة وهوبعمر يناهز السبعين عاماتقريبا،،ليجعل من وقودها نارا، تدفىءغصون شجرة النارنج القابعة بوسط ذكريات ما زالت حاضرة بأسماء لا تزال آثارها محفورة على ساقها الصلب، لم تخطىء العبث بحناياه، وقلب لم يزل ينبض شوقا للقاء يستنشق رائحة اعتادكل يو م أن يروي أنفاسه تهاطل نبضهم الجاثم بجسده ،،اعتاد أن يرتدي من تلك النجمات رداء ذكرياته ،كما شجرته التي عاصرت من كانوا يروونها ليبدلوا المكان،،لكن أرواحهم المشاغبة ما تزال حاضر ة بكل زاوية بأرجاء فسحة البيت،،،وضحكات لمات أهل الحي تملأ أغصانها المتشعبة أرجاء البيت بدموع الفرح ،لتتساقط على جدارن قلبهم ودا وحبا ،،،
فجأة الكل رحل ،مع صومعة رياح هوجاء ،،أصبح صوت الرياح يؤلمها،،لم تعد مياه الدلو تشبعها ارتواء العطش بشرايين أغصانها،التي باتت تحن لهم بعينين يطاردهما الخوف والشوق ،،،
كما جد ذاك البيت الذي رفض أن يفارق ساحة بيته وشجرته وذكرياته،،حيث أبنائه وأحفاده كل اتخذ لحياته جهة لبلد غريب عن تلك الديار ،وما كانت تحتضن من أحلامهم المستقبلية ،ليبقى وحفيدته الحامل ابنة العشرينات حيث زوجها فقد أثناء الحرب ،،
صممت البقاء مع جدها، ورفضت أن تتخلى عن حلم كانا يحلمان به سويا، لم يبقَ منه سوى سرير ابنيهما كان قد اشتراه قبل أن يتوارى عن الأنظار .
ليركنه وديعةأحلامهما الحاضرة بكل لحظة تتمرد به أنفاس طفلها بين أحشائها ،كما آمال لم تفارق مخيلتها على أمل عودته بأي لحظة ،يطرق به بابهم الخشبي. في إحدى الليالي الشتويةالمعتمة،قارسة البرد،الهدوء يخيم المكان ،،سمعا صوت طفل أنينه يتعدى حدود أرجاء البيت بصدى يكتظ أرواحهما الحالمة ،فإذا بطفل مولود يلملم جسده الهزيل رداء متقطع ،بأريكة تآكل عليها الزمن ،هرما كما أحلام لم تولد بعد ،لتستنشق مرارة مالم يرى بعد من خفايا قدره المبتل بدموع فقدان لأحلام لم تولد بعد،،،
يدخلانه البيت ،،لتحتضنه وجدها بين زوايا قلبيهما الذي يشتاق تلك النبضات النقية، من رحم ينزف أنين فراق ،تشرذمت به تصدع قرابين النجاة ومآذن الجوامع ،،وكل المعايير الإنسانية على حافة رصيف مجهول،،،،وكأنها كانت صفارة إنذار أيقظت به شيئا كان يفوته ،،ليقرر في صباح اليوم التالي،أن الأموال التي يكتنزها بذاك البيت ،أتى وقتها ليصرفها لترميم أوجاع قلوب هُجِّرت من بيوتها ،لتجد الرصيف مأوى يداوي جراحهم تحت عري سماءأفرغت همسات أنينهم الصاخب بين مقاعد مهجورة وأشجار تعرت من أوراقها مهاجرة ،،وبيوت بلا أسقف، أصبحت حجارتها تداري عراء قلوب أدميت من لوعة الهجر والألم ولوعة الفراق والبرد،،،فأولاده وأحفاده وجدوا لأنفسهم سبلا اختاروها ،،لكن هؤلاءالمغتربين الماكثين بين أنقاض ذكريات تقطعت بها الأوصال أحق أن تداوى جراحهم وعثرات زمانهم بين حيطان تشتاق لمات الأسر،،بصراخاتهم المدوية أرجاءه الصامتة المشتاقة للارتواء بأنفاس من يعيشونهابحب ودفء،يسكت تلك الأوجاع المترامية على أرصفة مهجورة ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
حان الوقت لأرمم هذا البيت بذكريات ستكون الأجمل وإن رحلتُ ستبقى تلك القلوب تنبض بين أرجاء بيتي الغافي المنتظر، وشجرتي هنا ستبقى صامدة تنتظر مثلي تلك الأرواح المتفرقةلكن بأرواح تشتاق أن تقتطف بثمار الأمل ،،
وإن رحل أهلها هناك من أحق أن تحتضنهم ،بدل شوراع عارية من تراكمات تضج لها وتئن عيون تشتاق الدفءوالأمان،
لن أنتظركم لتعودواترممونه ،،،هكذا كان يحدث نفسه الجد الهرم بعزيمة وإصرار ،،لاستقبال ولادات جديدة بغرف مهجورة يتخذها بيوت تفتح أبوابها لقلوب تجتمع من جديد ،،،وأصوات الأطفال تعانق صوت هدير النافورة ،،وتزرع مع كل ولادة صبح ،بذور الأماني مع ياسمينة الحقل التي لم تغير أثوابها البيضاء ،لتمتد من جذورها المترسخة ،مع كل استفاقة شمس تلد براعم تنثر عبير ها شوارع الأحياء ،وهي تتفتح ،،تناشد جمال الإشراقة مع آمال وأماني لم تفارقها،،،،،،في صبيحة اليوم التالي ،،قرر أن ينفذ ما يوقن أن هذا المولود كان رسالة سماوية من الله أن يفتتح بيته لأسر ،،تضم بين أرجاء غرفه اوجاعهم ،،ليتفق مع ورشات تصليح بترميم البيت،،ليضع لافتة قيد الترميم ،،،
ويجهز للافتة مكتو ب عليها ،،بيت العيلة ،،،،
يتبع
التعليقات مغلقة.