موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

شخصيات تراثية .بقلم.مدحت رحال

98

شخصيات تراثية .بقلم.مدحت رحال

قراقوش

ما إن تسمع اسم قراقوش حتى تبتسم ، وتتصور رجلا بطنطور يصدر أحكاما طريفة وأحيانا مضحكة ،
شخصية كاريكاتورية لحاكم أو قاض فقد نصف عقله أو ثلثيه .

ولكن هل هو كذلك ،
وقبل ذلك ،
هل هو شخصية حقيقية ،
أم شخصية اختلقها خيال القُصاص لتسلية الناس ؟
وإذا كانت شخصية حقيقية ،
فهل هي شخصية مرتبطة بالظلم ،
أم أنها ككثير من القصص ، بها من التدليس والتحوير التاريخي الذي يقوم به المجتمع على مر العصور ،
فتبعد قليلا أو كثيرا عن النسخة الاصلية للشخصية ؟

تشير المصادر التراثية إلى أن قراقوش شخصية حقيقية ،
بل وشخصية عامة وهامة لعبت دورا بارزا في الحياة السياسية في العصر الأيوبي ،
فقد كان ركنا من أركان توطيد مُلك السلطان / صلاح الدين الأيوبي ،

وإذا كان كذلك ،
فما هذه الصورة الهزلية لهذه الشخصية الهامة ؟

يقال بأن قراقوش ينحدر من أصل تركي ،
ومعناه بالتركية / العُقاب أو الطير الجارح .
تدرج بجده واجتهاده إلى أن صار قائدا عسكريا في بلاد الشام ،
ومن ثم في مصر التي وصلها مع بزوغ نجم الأيوبيبن ،

كان حسن المقاصد عالي الهمة ،
أوكل أليه صلاح الدين إدارة مدينة عكا بعد أن استرجعها من الفرنجة ،
وبعد أن استولى عليها الفرنجة مرة ثانية ،
وقع قراقوش في الأسر ،
ولكنه افتدى نفسه والتحق بصلاح الدين في مصر .

اعتمد عليه صلاح الدين الأيوبي في تثبيت دعائم الدولة وإنهاء الفوضى التي عمت مصر بعد وفاة الخليفة / العاضد ،
ويقال بانه قام بدور بارز مع اثنين من رجال صلاح الدين في إنهاء سطوة أسرة العاضد ،
وسيطر على ثروة القصر الفاطمي التي كانت كبيرة جدا .

كان حسن التدبير ، إلا أنه كان شديدا في أحكامه ،
يأتي بها أحيانا بطريقة غير تقليدية ،
فارتبطت صورته لدى العامة بالأحكام الغريبة المدهشة ،
التي تتراوح ما بين الذكاء والغباء ،
فتبدو كأنها نوادر أو طرائف ، تبعث على الضحك أكثر منها على الإعجاب .

وبقدر ما تكشف أحكامه عن حماقة وغفلة ،
إلا أنها تحوي في جوهرها حكمة نادرة ،
وتدل على أن الأمور يمكن أن تُرى بأكثر من وجه ،
كما أنها توحي بذكاء نادر .

وقد تم إعادة تصويره وإنتاجه _ إن جاز التعبير _ ليبدو كشخصية مسلية أكثر منها شخصية عامة لها دور في عصرها ،
تماما كما حصل مع شخصية / جحا وأشعب وغيرهما من الشخصيات التراثية التي بدأت بسيطة ، ثم تعقدت صورتها عبر التناقل خلال الحقب والعصور ،

وقد بقي دور بهاء الدين قراقوش في الحكم إلى عهد الملك العادل شقيق صلاح الدين ، حيث تم إعفاؤه ولزم بيته إلى أن توفي عام ١٢٠١ م .

وإذا كان قراقوش على هذا الوصف من السلطة في العصر الأيوبي ، فكيف ومن أين جاءت هذه الشخصية الطريفة بل المضحكة ؟

في العصر الأيوبي وفي كل عصر تقريبا هناك سلطتان تتنافسان ،
_ سلطة القلم ، وتمثلها في عصرنا وسائل الإعلام بتنوعها ،
_ وسلطة القانون ،
وكان يمثل سلطة القلم في العصر الأيوبي المؤرخ المصري / إبن مماتي . الذي عاصر السلطان / صلاح الدين الأيوبي وقراقوش .
وكان بهاء الدين قراقوش يمثل سلطة القانون .

ويبدو أن قراقوش قد فاز في هذا التنافس ولقي حظوة لدى صلاح الدين ، فأوكل إليه كثيرا من المهام الإدارية ، فقام بها على أكمل وجه ونال رضا السلطان كما أسلفنا .

لم يٓرُق ذلك لابن مماتي ولم يقبل بالهزيمة .
فعمد إلى الجانب السلبي في المواجهة والمنافسة :
النيل من منافسه معنويا ,
وإظهاره للناس كشخصية غير سوية في أفعاله وأحكامه ، وكأنه يقول للناس :
هذا قراقوش الذي يسوس أموركم ،
وهو يعلم ما لتأثير الكلمة والإشاعة بين الناس .

وإلى أن يكتشف الناس الحقيقة سلبا أو إيجابا ، يكون قد وسم شخصية قراقوش بسِمة ترسخ في اذهان العامة حتى لو تبين بطلانها فيما بعد ،
فالناس تميل إلى الناحية السلبية في الأمور ،
خاصة إذا تم إدخال عنصر السخرية والطرافة الذي تميل النفوس إليه ،
ونحن نرى اليوم دور النكتة في التأثير على الناس ،
وإدخال فكر أو اتجاه معين بواسطتها .

قام ابن مماتي بتأليف كتاب أسماه :
الفاشوش في حكم قراقوش ،
وكما يقال : الكتاب يُقرأ من عنوانه ،
نسب فيه لقراقوش حكايات ظالمة ومستهجنة في الأحكام ألبسها ثوب الطرافة والمسخرة مما سهل تناولها وتداولها عبر الأجيال .

وسأعرض نماذج مما جاء في الكتاب لنرى كيف يطعن ابن مماتي في قراقوش بثوب قشيب من الطرافة ،
بحيث ينشغل الناس بها وتنصرف أذهانهم عن صحة القصة وعن الغرض الخفي للمؤلف في تشويه صورة قراقوش ،
وإبرازها في صورة القاضي المغفل أو الظالم .

_ شكا رجل إلى قراقوش تاجرا أكل عليه أمواله ،
استدعى قراقوش التاجر وسأله عن ذلك ،
فقال التاجر : يا سيدي كلما وفرت له الأموال لأسدد دٓينه ، أبحث عنه فلا أجده .
فكر قراقوش قليلا ثم حكم بأن يُسجن صاحب الدين حتى يعرف المدين مكانه ،
فهرب الرجل طالبا العوض من الله في دينه .

قيل لقراقوش إن طائر الباز المفضل لديه قد هرب من القفص وطار خارج القصر ،
فأمر بأن تغلق كل أبواب القاهرة حتى لا يستطيع الباز الفرار خارج القاهرة .

شكا فلاح جنديا وكز زوجته الحامل في شهرها السابع فأجهضها ،
حكم قراقوش بأن يأخذ الجندي زوجة الفلاح ويحبلها وينفق عليها إلى أن تتم الشهر السابع ثم يعيدها إلى زوجها .
فهرب الفلاح بزوجته ،
نستطيع أن نقول مطمئنين بأنها قصة مفتراة ،
مستوحاة من قصة سليمان عليه السلام ،
وحكمه في الغنم التي نفشت في الزرع .

المتأمل لهذه القصص وغيرها ،
يرى ما فيها من مبالغة ، واستحالة أن تصدر عن رجل لعب دورا هاما في الحياة السياسية في العصر الأيوبي ،
بل وكان ركيزة من ركائز الحكم في عهد صلاح الدين ،

وإذا كان بهاء الدين قراقوش قد استطاع أن يتغلب سياسيا على ابن مماتي ،
فقد استطاع ابن مماتي أن يجعل من قراقوش سخرية على مر العصور ،
فقد نسي الناس دور قراقوش في حكم مصر ،
الدور الذي لا يعرفه إلا الباحثون ،
وبقي قراقوش في أذهان الناس :
الشخصية الهزلية التي تتسم بالغباء والحمق .

وقد ترى اليوم صبِيين يتحدثان في أمر لا يروق لأحدهما فيقول :
حكم قراقوش !!!

مدحت رحال ،،

التعليقات مغلقة.