شرعية الحكم فى مصر
شرعية الحكم فى مصر
د.أحمد دبيان
ظلت شرعية الحكم فى مصر والمشرق العربى وطوال قرون كثيرة هى شرعية السيف والذهب .
ومنذ سقوط ابسماتيك الثالث انتهت شرعية العرق المصرى الخالص واللاهوت الفرعونى الحامى الراعى المحقق لأمن الفلاح صاحب الأرض و ليحل محلها شرعية السيف المتمصر والذهب ومن إغريق لبطالمة انتهينا لاحتلال رومانى تعامل مع مصر كولاية تابعة ليعقبه إحتلال عربى تمصرت فيه القبائل العربية التى جاءت مع الجيوش العربية فصنعت واقعاً جديداً فى معادلة الرعية مع الحكم.
لا عجب بعدها أن خرج الثوار ضد الخليفة عثمان بن عفان من مصر رفضاً للجور والظلم ولتخرج ثورة البشمور ضد الجور العباسى من عنصرى الأمة أقباطاً مسيحيين ومصريين أقباط اسلموا ومسلمين متمصرين.
رغم هذا ظلت شرعية الحكم تركن للسيف أو الذهب وكانت الخلافة الفاطمية التى ضرب بها مثل ذهب المعز وسيفه حين سألوه عن أصله ، وحسبه ونسبه فكانت إجابته دستوراً يبرز القاعدة الموجودة منذ زمن التبعية .
جاء المشروع التحررى ليصنع شرعية جديدة ركنت للسيف واستنهاض الهمم فى حالة السلطان صلاح الدين الأيوبى ومشروعه التحررى ضد الفرنجة.
لننتهى لعصر المماليك وشرعية السيف الإسبرطية الخالصة وعقد اجتماعى جاء وليد الإكتساح الصليبى الاستعمارى والتترى من بعده فجاء المماليك صيغة اسبرطية نخبوية عسكرية ارتضى الشعب حكمها رغم رق الأصل لانجازاتها فى صد الغزاة ولتنتهى شرعيتها مع الغزو العثمانى الذى أعمل السيف فى الشعب واستعمل المماليك كآلة جباية وعناصراً للدرك.
جاءت شرعية محمد على كعقد إجتماعى وليد ما بين نخب الأمة والوالى محمد على حين إختاروه وفرضوا الإرادة الشعبية على الخليفة العثمانى ليطيح هو بهذا العقد الإجتماعى حين اعتقل السيد عمر مكرم وقام بنفيه ليعود العقد الإجتماعى مرة أخرى لشرعية السيف ورعم مشروعة الطموح لنهضة مصرية جاء ذلك المشروع النهضوى يصب فى مصلحة ذاته وأسرته وانتهى للخضوع للخليفة العثمانى وشرعية ذهب الجزية والجباية والسيف على الرعية من الشعب .
يوم ٢٣ يوليو ١٨٨٢
:صدرت فتوى مهمة جاء نصها
(الخديوى توفيق قد مرق من الدين مروق السهم من الرمية لخيانته لدينه ووطنه وانحيازه لعدو بلاده)
هذه الكلمات القاطعة كان نص الفتوى الشرعية التى صدرت بحق الخديوى توفيق، ولم تكن هناك سابقة أو لاحقة لها فى حكم مصر، ومصدر قوتها وتفردها فى تاريخ مصر أنها صادرة من
الشيخ محمد عليش شيخ الأزهر،
والشيخ حسن العدوى،
والشيخ محمد أبو العلا الخلفاوى، وعلماء آخرين
جاءت هذه الفتوى فى مجتمع نخبوية رجال الدين لتنهى شرعية السيف والذهب التى زلزلتها مسيرة الزعيم أحمد عرابى الى قصر عابدين ولتعلن انتهاء شرعية أسرة محمد على فى حكم مصر .
جاءت عودة الخديوى توفيق للحكم بعد هزيمة الجيش المصرى بقيادة الزعيم أحمد عرابى لتعلن تقويض الشرعية المستمدة من الدين أو السيف أو الذهب ولتعلن شرعية حكم الأساطيل والمدافع والجيوش الأجنبية .
جاء تعيين السلطان حسين كامل بعد إعلان الحماية ترسيخاً لشرعية الحكم المستند الى الاحتلال ، لتتأكد هذه الشرعية للحكم تحت الاحتلال الأجنبى بتعيين الإنجليز للسلطان أحمد فؤاد ( الملك أحمد فؤاد بعد إعلان الملكية ورفض الأمير كمال الدين حسين للحكم تحت الإحتلال لتترسخ الشرعية المستحدثة تحت ظل الإحتلال البريطانى )
ورغم اعلان الغاء الحماية باستقلال شكلى انتهى لمعاهدة عام ١٩٣٦ حققت مصالح الاحتلال جاء حكم الملك فاروق ايضاً بشرعية التوريث المباشر تحت مباركة الأنجليز ، وليتم إعلان سقوط شرعية الحكم المستند الى القوى الأجنبية بقيام ثورة ٢٣ يوليو واعلان الجمهورية الوطنية والتى لا زالت هى الشرعية القائمة التى تستند عليها انظمة الدولة المصرية رغم الإنقلاب على مشروعها الجوهرى منذ مايو عام ١٩٧١ ولتفشل اية أطروحات من قبيل ورقة أكتوبر والتى جاءت انجازاً لدولة يوليو ان تقيم شرعية قائمة بذاتها لأنها ورغم فخر الأنجاز جاءت محصلة لمؤسسات وميثاق أجتماعى كان نتيجة لمشروع تحررى تقدمى متوخٍ للعدل والحراك الإجتماعى نعم به المصريون ولأول مرة منذ سقوط ابسماتيك الثالث.
التعليقات مغلقة.