شروع في حياء
عصام قابيل
وصل مسيلمة إلى ميدان التحرير في يناير وظل يتجول بين الحضور بوجهه الأبيض الفتّان وشعره الأصفر وكأنه سبيكة من ذهب والذي كان يفتتن به الرجال والنساء في آنٍ واحد فكانوا يتجمعون عليه ويرحب بهم حتى إستوقفه شاب عليه ملامح الرجولة الخالصة والجدية الحاسمة ولايخفيان براءة جميلة تطل من عينيه فترك كل من حوله وجنح إليه ثم وقف أمامه يتأمله وقد دبت الغيرة في قلبه ولا يعلم لماذا فأراد أن يتحدث إليه ويخرج مافي قلبه لعله يجد مايمكنه من النيل منه فسأله:
_ من أنت؟
نظر إليه نظرة عميقة تحمل دهشة المفاجأة ورخامة الفضول ثم رد:
_ إسمي صادق.
فرد عليه بسخرية مصحوبة بقهقهة :
_ وهل فعلاً أنت صادق؟
نظر إليه بضيق وأشاح بوجهه عنه ، وكأنما شعر مسيلمة أن فرصة الإستمرار معه ستضيع وهو يريد أن يبحث عن شئ يشفي غليله المتقد منه والذي لايعرف له سبباً فابتسم ابتسامة خبيثة وقال:
_ أنا أحب المزاح فلا تغضب مني ، رأيتك متنحي جانباً فأعجبني تميزك وسط هذا الضجيج .
وببرائته المعهودة وسلامة قلبه زال ذلك الضجر من قلب وملامح صادق ورد الإبتسامة بمثلها إلا أنها كانت صافية راقية بعد أن جذبته سحر ابتسامة مسيلمة وقال:
_ أهلا بك ياأخي ومرحباً ، وأنت مااسمك؟
_ مسيلمة.
ولم تمر دقائق حتى جائت جمهرة من الناس مختلفة الأعمار ورفعوا صادق على الأعناق وصاروا يهتفون بعبارات تقطر قهراً ، فزادت غيرة مسيلمة لما وجده من مكانة صادق وحب الناس له والتفافهم حوله وانتظر حتى هدأوا ونزل صادق من على الأعناق فانفرد به مسيلمة جانباً وقال:
_ أراك قد اتسخت ثيابك وعلا التراب رأسك وجبينك والموقف موقف تباهي ولابد أن تكون في أبهى صورة لك اليوم.
_ وماذا يجب أن أفعل فليس الموقف ولا الوقت يسمحان بالتزين.
_ لاياصديقي لابد أن نكون اليوم في أبهى وأروع صورة ، تعالى معي .
_ إلى أين ياصديقي؟
_ فقط اتبعني وسترى سأجعل منك أروع لوحة تتحدث عن مشروعية مطالباتنا فالنظافة والجمال سر التأثير.
واتبع صادق مسيلمة حتى وصلا إلى عمارة شاهقة ثم صعد به مسيلمة في مصعدها ووصلا إلى دور تجاري فيها وقد أغلقت المحال أبوابها لكن مسيلمة دلف إلى دورة مياه مفتوحة وقال لصادق:
_ هيا اخلع ثيابك وأدخل واستحم واظهر بهائك أيها الراقي .
نظر إليه صادق متعجباً مردداً نفس ىالكلمات :
_ وهل هذا وقته وأوانه ياصديقي ، الميدان مشتعل.
_ نعم ومن أجل هذا لابد أن نتجمل ، هيا أدخل واترك ثيابك معي حتى لاتبتل .
خلع صادق ثيابه وتركها مع مسيلمة ثم مالبث أن ناوله ملابسه الداخلية من خلف الباب.
إطمأن مسيلمة أن صادق قد استغرق اللحظة فأخذ ثيابه وانزوى ثم استبدلها بثيابه وانطلق يجوب الميدان وهو يزهو بثياب صادق ويصول ويجول .
وفي تلك اللحظات دق صادق الباب ونادى على مسيلمة لكن لم يسمع رداً ، كرر النداء وزاد من دقه على الباب لكنه كان صمت القبور ، فتح الباب قليلاً ينظر كيف الأمر فلم يجد مسيلمة ولا أثر لثيابه ، فتح الباب على آخره في دهشة وهو يكاد يجن ولكنه سمع وقع أقدام وجلبة فأغلق الباب على نفسه سريعاً .
وتكرر المشهد أكثر من مرة وفي كل مرة يتراجع صادق ويغلق الباب حياءاً أن يراه أحد.
التعليقات مغلقة.