شفيقة غلاونجي تكتب الجزء الثاني من الانعتاق
……………………………
هبطت سحر الدرج متعثرة بدموعها محاولة خنق شهقة ألم وخيبة مُني بها قلبها الغض بعد أن فجعت بشريكٍ ظنت أنه سيكون السند والملاذ الآمن لها بعد موت أبيها وزواج أمها بآخر.. لم يرحم يتمها وإخوتها بل كان فظا غليظ القلب فآثرت الزواج في سن مبكرة …بقلب بكر …وفطرة الطفولة التي مازالت تعشش في روحها الفتية …
صرخ الصمت في داخلها ….تعثر صداه بحبالها الصوتية …حاول تسلقها…….يرجوها أن تعينه على الانطلاق تصغي حنجرتها …تقهقه عاليا….تلتف حوله تلك الحبال اللعينة لتخنقه وترديه قتيلا….
ينزلق بانكسار ليتربع في قفصها الصدري…تطبق عليه الأضلاع وكأنه طفلها الحبيب المشاغب الذي غافلها على حين غرة ….تطبق عليه بإحكام بأمر من العقل وربما بأمر أكثر أهمية هو كلمة العيب التي تفضحها الوجوه قبل أن ترتسم على الشفاه بغباء الذي يأخذ بظواهر القول والأفعال تخرسه الى الأبد ليكبر …ويكبر ويكون غصة ….
ذات غصة من أنين الفراق …تكالبت على جثة الفرح المسجاة برمس الحيرة ..أظافر الشكوك والظنون …لتمزق آخر أمل عرش على جدران الروح ….
ومع الأنفاس الأخيرة لقرار بات يشكل المنعطف الأخير في حكاية من حكايا ألف ليلة وليلة …قلمت السكينة والطمأنينة أغصان الضجيج المنبعث من ثنايا القلب ….
حين أيقنت أن استئصال الداء هو خير دواء ….
هذا ماحدثتها به نفسها وهي تتلقى صفعات الهواء الباردة على وجنات تخضبت باحمرار من آثار وخز ذاك البرد والذي جعل الأفكار تنتفض في رأسها كما ينتفض جسدها المرتجف مع قشعريرة تدب في كل أوصالها …
صدْمتها بزوجها…وبتلك اللعوب .الحرباء الملونة بكل أشكال الدهاء والمكر …أطفالها الذين لاذنب لهم في كل ماحدث وماستسفر عنه الأيام القادمة…جعلها تغز السير بخطوات واسعة عسى ذلك يبث قليلا من الدم في جسدها المتخشب ….
أفكارها تسير معها خطوة بخطوة…تسأل وتجيب بآن معا …مضطربة الأنفاس ….لم تنتبه أنها وصلت منزلها إلا بعد أن قطعته بمسافة …
عادت أدراجها…فتحت باب منزلها بيد مرتعشة محاولة كبح جماح دموعها المجمعة في محاجرها رأفة بصغارها ما إن دلفت حتى تجمهروا حولها وتشبثوا بأياديهم الغضة بأطراف معطفها بعيون تعلوها الدهشة ونظرات متسائلة جزعة وألسنة اختلط فيها اللغو مع صراخ الخوف الممزوج بالفرح ….
نقلت أنظارها المرهقة بينهم وبكل حب حضنتهم وسمحت لدموعها المالحة هذه المرة بأن تغسل وجوههم البريئة …وهي تحاول تهدئة روعهم …وزرع الطمأنينة في نفوسهم ….ربتت على رأس كل منهم بمسحة من الحنان والعطف وقلبها ينفطر شفقة عليهم وعلى مصيرهم الضبابي …
انتفضت عندما رددت بذهنها هذا التعبير الشفقة ؟!! لا لن تسمح لهذه الكلمة أن تعبر أرواحهم الندية وتهدم نفوسهم التي مازالت تتفتح كأزرار الورد …ستكون لهم الوتد والسند ..لن تستسلم للقنوط واليأس ..لن تكون لقمة سائغة في فم القدر ولن تصبح مضغة على لسان نساء الحي ….ستخرس كل الألسنة ولن تسمح لأي كان بالتدخل في حياتها ….
انتفض كبرياء الأنثى فيها و كلبوة مستعدة للهجوم عمن يحاول تقويض عرينها وزعزعة ثقتها بنفسها … قررت أن تسحق قلبها و تعيد اعتبارها وتخرج هذا الخائن من حياتها إلى الأبد …وتبدأ حياة جديدة مع أولادها بعيدة عنه …
دخلت غرفتها بعد هذا اليوم الشاق والذي أحسته دهرا …استلقت في فراشها منهكة …لكنها مرتاحة البال فقد اتخذت قرارا حاسما ربما هو جائر بحق نفسها وأولادها لكنه سيكون بردا وسلاما …ويؤمن لهم حياة مستقرة ..ومصدر رزق وحياة كريمة بعيدا عن الهموم والمشاكل ….ستعمل وتربي أطفالها بمعزل عن دناءته ؟! هذا ماقررته تلك الليلة …وغطت في نوم عميق ….
التعليقات مغلقة.