شلقاميات : عفن بقلم حسام شلقامي
كثرت حالات إصابتي بالغيبوبة، أبنائي رغم تقتيري عليهم، لا يألون جهدا في العناية بي، ومحاولة إيجاد علاج لي، أخبرهم الأطباء أن الحل الوحيد هو زراعة كبد لي، جميعهم أعلن استعداده للتبرع، المشكلة في تكاليف العملية، أوشك أن أخبرهم أن لي حسابا مصرفيا كبيرا بالدولار، يتغلب علي حرصي، وأخشى أن يطمعهم ذلك في، أو يجعلهم ينقمون علي تلك الحياة البائسة التي يحيونها قانعين معتقدين فقري وعوزي، ولكن فكرة الموت ترعبني وتجعلني أوشك رغم مخاوفي أن أصارحهم، أطمئن نفسي أنهم لابد سيتصرفون، وسيجدون حلا لمشكلة تكاليف العملية، سمعتهم مرة يتحدثون عن بيع بيتي والإنفاق على العملية، اتصنع غيبوبة طويلة جدا حتى لا يناقشوني في الأمر وطبعا لن يتمكنوا من البيع إلا بموافقتي وتوقيعي، يقفز قلبي فرحا عندما أسمعهم يقولون بعد أن يئسوا من كل الحلول أنهم سيذهبون إلى أعمامهم وأخوالهم ليساعدوهم في الأمر، كانوا متخوفين مثلي أن يجرحوهم بالرفض، فلم تكن العلاقة بيني وبينهم جيدة، أشقائي جرت عليهم في الميراث وأشقاء زوجتي أتعبتهم سنينا في المحاكم لأنال لزوجتي حقوقا فاقت بكثير حقها الشرعي، لم يكن أمام أبنائي من سبيل آخر، فوجئ أبنائي وفوجئت بأن أعمامهم وأخوالهم قد أبدوا تعاطفا شديدا معي في محنتي ورغم فقرهم وعوزهم إلا أنهم جميعا قد تصرفوا بعضهم ببيع آخر مايملك وبعضهم بتقديم ما يدخره للزمن وبعضهم بالاقتراض وبعصهم بجمعيات، وفي غصون أيام قليلة، كانت تكاليف العملية جاهزة،وأجريت العملية ورغم كل المصاعب التي بذلت من أجل إجراء العملية، إلا أنه لم يكتب لها النجاح
وها أنا الآن مسجى في صندوق خشبي في منزلي بين بكاء ونواح الأبناء والأهل والجيران، كانت الصالة ممتلئة بالمعزين والمودعين والجميع متأهب لحملي والإسراع بدفني من باب إكرام الميت دفنه، وفجأة يطرق الباب، إنه ساعي البريد يحمل خطابا لي، استلمه ابني وفضه وهو يغالب دموعه ويقرأ وفجاة توقفت دموعه وحل بدلا منها نظرات كراهية ممزوجة بشماتة وتشف، كان الخطاب من البنك، لست أعلم لماذا اختار ذلك الساعي اللعين أن يأتي في تلك اللحظة بالذات ومعه كشف حسابي البنكي.
ظللت قابعا في صندوقي خجلا حتى تطوع بعض من أهل الخير لدفني قبل أن تفوح رائحتي.
التعليقات مغلقة.