شموخ امرأة بقلم .. بوعون العيد
هاقد سكنت حركة الأحياء بعد ليل بهيم تجهّم فيها وجه الطّبيعة ، فامتزج البياض بالبياض ( الضباب ،والثلج ) وغطّى سُفوح الجبال ،ووهادها فاكتست الأرض حلّة بيضاء ، فتوشّحت التّلال بوشاح أبيض ، وخفتت الأضواء عدا ماتبقى من نور سُرُج قلّ زيتها واضمحلّ فتيلها ، ومن رحم اللّيل الدّاج ينبلج فجر يوم جديد مِلؤه الأحلام والٱمال الضّارعة ، فغدت جدّتي تحمل قطعة حبل لتقصد سفح الجبل بعدما أزاحت الأنواء لِثام الثّلج عن وجهه . لتحتطب رُغم لسعات البرد ،وقرّ الصّقيع الّذي تصطك له الأسنان ،وتتجمّد لهوله الأوصال وتتقطّع ،لكن جدّتي لم تأبه بعاتية الزّمهرير ، ولا وخزات البرْد والْبَرَد ، بل شقّت طريقها المعتادة لتعود محمّلة بحزمة الحطب ، كيف لا وجدّتي من الحالمين الذين يعشقون الشّتاء لأنّه يعيد لبيوتاتهم دفء الأسرة وحنوّها بعدما تُوصد الأبواب ، فيجتمعون حول قصعة الكسكسي يتراءى لهم الفضاء الفسيح رحبا رحراحا يُبدّد وحشته ضوء السّراج ، وترحل بهم الأحلام هناك محلّقين مرفرفين بأجنحة حكايا الجدة ، وهي تقص عليهم مواقف الرّجال ،وشموخ الصّناديد ، ورباطة جأش الفحلاوات ،وقوة شكيمتهنّ ، وما دأب عليها الصّغار اقتداء بالكبار وتأسيا بهم . وهنا يقف الأبناء وقفة مع المشهد يتفرّسونه . فيجدون له من البعد والأبعاد ما يحرّك القرائح كتابة ، ويستفيض النفس فتجهش تحسّرا ، فترسل إشارات الى العين فتنحبِسُ الدُّموع في المٱقي ترقرقا ، فيعد الواحد منهم الغابر حتى يحفر في أعماق نفسه ، ويَثْغر ثغرا في رأس الأيّام الخوالي مفجِرا ينابيع الحنوّ من هذه وأولئك اللّواتي أخذن بِتَلابيب الحياة حزما وعزما وهمّة وكبرباء ، وعزفوا البهرجات وطلّقوها بحلم دفين تترجمه الذّكريات بوحي الاصطبار ومغالبة الأرزاء ، وبِتنهُدات على أيام انْفلتَت بعدما نُظمت في عقد مليح من على جِيد الزّوجية . وها قد وهنت ذُبَالته بعدما كانت تحترق لتنير درب الأبناء و الأحفاد ، ومن المَسير سيْرا على الأقدام يؤرّخ أنّها بالأمس عبرت من هنا ، وفي حزمة الحطب احتطاب الصّبر والتّحدي ، والأنفة والإباء .ليوقد من جمر كانون الأبناء معاني هي :
أن تختار لنفسك منزلا تعلوا به …
أو مت كريما تحت ظل القسطل …
التعليقات مغلقة.