شهرزاوي قصة قصيرة بقلم/ د.محمد محي الدين أبو بيه
كعادتها كل ليلة أخذت( شهرزاد) تقص على( شهريار) حكاية جديدة ، هذه المرة أرادت من( شهريار) أن يتقمص شخصية بطل الحكاية
.
أخبرته أن البطل هو ملك مثله يتخفى في زي أحد الرعايا ويمشي بالأسواق ليرى حال شعبه على الواقع،أُُعجب شهريار بالفكرة وهَمّ بتفيذها
في اليوم التالي ودعته( شهرزاد) بعدما غيّر ملامحه ، وضع شامة على خده وكثّف من شعر حاجبيه ووضع صبغة ذات لون بني بشاربه ولحيته
لم يصاحب أحداً في مغامرته كما بحكاية( شهرزاد) ولم يخبر مساعديه فالأمر لابد أن يتم بسرية تامة..هكذا شروط الرحلة
.
في السوق الكبير بالمدينة ، سار( شهريار) والغبطة تملؤه فهو الآن حر طليق من جميع قيود المراسم الملكية؛ لا حرس ولا وزراء ولا تكالب الشعب عليه حتى يروه ولو من بعيد وهو يشير إليهم بيديه
انتقل من محل لآخر واحتك بجميع البشر الموجودين بالسوق ولم يلحظه أحد فزاد انتشاؤه وشكر في نفسه( شهرزاد) على فكرتها العبقرية
سمع من البعض ثناء عليه فابتسم وراق مزاجه ولكنه تعكر عندما تحدث آخرون عن ظلمه وتسببه في غلاء معيشتهم وفرضه ضرائب إجبارية أثقلت كاهلهم؛ في نفس الوقت تراجع البعض عن ملامته حيث أنه يعيش في قصره ولايدري عن هذه الأمور شيئاً ؛ فوزراؤه وحاشيته يزينون واقعهم أمامه وأنهم يعيشون في رغدٍ ويدعون له
.
في ظل ما يسمع والأفكار تنتابه في أن يغير سياسته بالأيام القادمة بحيث يتقرب للناس أكثر ويناقش همومهم بنفسه؛ حدث هرج ومرج فأفراد من الشرطة يقتحمون السوق والناس مندفعة أمامهم حيث يلقون القبض عشوائياً على كل من يقع في أيديهم
.
تفاجأ( شهريار) بأفراد الشرطة أمامه ويسحبونه من جلبابه بلا رحمة ويربطونه بالحبال ويكممون فمه مثلما فعلوا مع باقي من وقع بأيديهم
.
بعدما انتهت هذه الهجمة العاتية وجد (شهريار) نفسه حببساً بين أربعة جدران مربوطة يداه ومكتومة أنفاسه ؛لايستطيع أن ينبث ببنت شفة
.
زاد قلق (شهرزاد) لتأخر عودة الملك( شهريار) فقد مر يومان ولم يأت وقد فضلت عدم إخبار أحد لكن الأمر قد خرج عن السيطرة ولابد أن يعرف الوزراء والمستشارون بحقيقة الوضع وأن الملك مختفي ولابد من البحث عنه ، وكذلك تدبير أمور المملكة حتى يتم العثور عليه
.
انتابت الجميع دهشة بعدما روت (شهرزاد) على مسامعهم ما حدث وكيف للملك ان يفعل ذلك دون علمهم؟!
انتحت( شهرزاد) (بقائد الشرطة) و(السيّأف) الخاص بالملك الذي كان يقطع رؤوس زوجات شهريار
قبل زوجته الأخيرة والتي أبهرته بعوالم حكايتها لدرجة أنه يدخل هذا العالم بنفسه ويتقمص شخصية أحد أبطالها
همست( شهرزاد) لهما:
(أبقياه مكانه ولا يدخل عليه أحد ..)
ثم انضموا لباقي المجتمعين حيث قال( السيّاف) :
الآن نحن نبحث عن الملك شهريار في كل مكان ..وحتى عودته لابد من إدارة أمور المملكة
تدخل (قائد الشرطة) قائلاً:
طبعاً لا يصلح لذلك غير أحد موجود في دائرة الحكم وقريب من الملك وهي( ملكتنا) ( شهرزاد)
ازدادت الهمهمات بين الحضور ونظر كل منهم للآخر فلأول مرة تحكمهم امرأة والتي كانت على مشارف الموت بزيجتها من( شهريار)
.
خلال أسبوع تغيرت ملامح المملكة فالأوراق المالية تزنيت بصورة (شهرزداد )وأسموها ( شهرزاوي)
.
ألغت الملكة الجديدة جميع الضرائب المفروضة على التجار فذهب ضيق المعيشة على الشعب بعد انخفاض أسعار البضائع حتى تمنى الشعب أن يظل إختفاء (شهريار) مدى الحياة
(السيّاف) تخلّى عن سلاحه العتيد ولبس قلنصوة جديدة فقد أصبح كبير الوزراء؛ (وقائد الشرطة )صار نائب الملكة
.
(شهريار) في محبسه لايدري شئ مما حدث؛ لا يرى أحد ولا يكلمه إنسان فقط يُلقى إليه الطعام والشراب من كوة موجودة أعلى جدار وينبعث منها شعاع خفيف من الشمس ونسمة هواء يتنفس منها
.
تجلس (شهرزاد) على العرش وقد وضعت خلفها أسماء بنات حواء اللآتي قضى عليهن شهريار وكتبت مرسوماً
تنعي فيه الطاغية( شهريار) وأيامه وسوف تضع اسم كل زوجاته على أبواب كل حارة حتى يتذكر الشعب آثامه وجبروته
.
استتب الأمر ( لشهرزاد) ونسى الناس (شهريار) وبات ذكرى يلعنونه فيها
التعليقات مغلقة.