“صدفة” قصة قصيرة بقلم/ محمود فهمي
مر عقدان من الزمن …رٱيتها صدفة أمامي ، فقد رحلت عن بلدتنا الصغيرة التي تقع أسفل الوادي والذي يحتضنه النخيل
كنت أيامها في العقد الثاني من عمري …أخذَتْ تُلقي نظرات خاطفة وهي تسير على حافة الترعة الصغيرة التي يتوسطها جسر ريفي من خشب النخيل .وترقد شجرة التوت العتيقة على نهايتة تبسط ظلها للباحثين عن الظل من حرارة الصيف الموجعة.. واصلتُ سيري تجاه شجرة التوت العتيقة والساقية المهجورة
وأنا لا ٱتوانى عن أن أرمقها بنظرات خاطفة وهي كذلك
وأنا على الجانب الآخر أواصل سيري
بدأت ٱستعيد ذاكرتي إلى الوراء فوجهها منذ رحلتْ من ريف بلدتنا الصغيرة مازال كوشمٍ منقوش على يديّ
إنها (صدفة )رفيقة طفولتي ، كانت تمسك بيدها دُمية صغيرة وحصانا خشبيا ، نفس الدمية التي كنا نتشاجر عليها وكان عمي الشيخ مسعود دائما يعاقبني ويقول لي بصوته الأجش: أنت ولد والولد لا يلعب بالدُمى.
نفس الحصان العالق بيدها “الذي أهديته لها قبل أن ترحل هي وأسرتها من عالمنا الصغير” وكنا نحمل على ظهره الأحلام ونسابق الساقية وهي تدور ونراقب طيور الشتاء وهي تهاجر بلدتنا لتبحث عن الدفء . كنا معاً تغمرنا السعادة وهي تدور ونحزن لرحيل الطيور ونحزن لمشهد الغروب وننتظر أول ضوء للشمس كي نلتقي ونذهب إلى المدرسة في بلدةٍ أخري تجاور بلدتنا الصغيرة.
مازلت أذكر صوت عمي مجاهد المرتفع وهو ينهر الدابة كي تعدو حتي لا نتأخر عن موعد جرس المدرسة. ولكن دائما كنت أجبر عمي مجاهد على التوقف عن السير عندما نقترب من شجرة التوت وأعدو مسرعاً لالتقاط حبات التوت الناضجة ونأكلها سويا ونحن في طريقنا إلى المدرسة
وبعد عقدين من الزمن.. شجرة التوت جفت أوراقها
.. والساقية توقفت عن الحركة.. أصبحت مهجورة..
والحصان الخشبي بهتت ٱلوانه…
وتغير لون الحلم…..
محمود فهمي محمود
التعليقات مغلقة.