صفقة هاديس بقلم زينب التميمي
صباح العيد , نفضت روحها بعد ليلة طويلة قلّب فيها الحنين وعبث آخذا إياها اليهم حيث يرقدون ..
خالجها شعور مبعثر .هاهي تصل أطراف المقبرة ,تراب خانق, وسكينة, كل شيء يبعث على الكآبة,
صور معلقة غابت ملامحها بفعل الشمس, آثار شموع ذابت كذوبان الأرواح التي قِيدت من أجلها , بعض من زهور يابسة أنهكها الوقت وبعثرتها الريح هنا وهناك, ورائحة البخور تجهد نفسها تحاول ان تغطي بعضاً من رائحة لجسم بدأ بالتفسخ, قبر متهالك,بدت صخوره متآكلة بفعل الزمن ,وقبر جديد لازال التراب أحمر ورطب فوقه, وتواريخ خطت بمهارة تبعث على جبروت الموت وديمومته, قبورعديدة, وصمت رهيب .
أصوات تتعالى تكسر صمت المكان,
إزززززززز,إزززززززز.
: صفير ..صفير, اه أذناي , لاأميز,
أراه يتحرك..إنه القبر يتحرك, إنها ثورة الأموات.
هي تشعر بالأرض تهتز تحتها ,أجساد عارية من الحياة,
ملامح شاحبة ,مصفرة, هشاشة الوجود, والحوار مبهم كحوار الصم, ذبذبات كلمات شبه مبهمه تصل الى اذنيها فترد بصوت مرتجف مغلف بالحنين
: أبي ! ..تناديني ؟ كيف حالي؟ .. وكيف بدونك ؟ لاعليك , سأكون بخير .
ها, أمي ؟
نعم, لازلت أهتم بنفسي, هل أصبحت ماهرة في الطبخ ؟لاأعرف
..حبيبي ياأخي, إبنك ..بنتك؟
لاتقلق هما بخير,
ما بالي ؟ خائفة ؟ نعم أخاف الوحدة,
الا تتذكرون ؟أخاف الوحشة.
الموتى يسيرون باتجاه مغاير لها نحو العمق لفجوة مفتوحة,مثيرين وتيرة الفزع في نفسها ,تحاول اللحاق بهم عبثاً
فجأة يختفون
الصور تهتز , قبر يموج كموجة بحر ,عبثية الحياة تجرها , هو يسحبها, يحاكيها
:نعقد مصالحة مع الموت؟
: لاصلح مع الموت .
: ألا تحبين الخلود ؟
: لا, أريدهم .
: ستموتين .
: بل سأعيش حياتهم .
: لكِ ماتريدين, الفناء هنا ..ضعي قدمك إنزلي , إتبعيهم, هي خطوة وستكونين معهم .
: سأحاول ,سأحاول,
يا الَله, لم لاتتحرك قدماي ,قلبي يلهث , أتشوق لهم, هيا ,هيا, مابالها تأبى
الحركة .
:عقلك يريد لكن روحك لاتريد ,تحب الحياة,
هو خوفك يحول دون الحركة , فلتعقدي الصفقة وتنتهي .
يداها ترتجفان ,قدماها يأبيان الحركة , أسنانها تصطك ببعضها , الخلود أو الموت,
البقاء أو الفناء, صراع,
لازالت القبور تهتز . هي تصرخ من جديد
: أبي , أمي , اخي .
يرتد الصدى خاليا ,لاشيء الا صفير القبور .
تعدو تحاول الخروج من دوامة الموت ومن ذاك الفزع الكبير ,تدور حول نفسها تنتبه ,تصرخ
:إبنتي , إبنتي لقد تأخرت عنها,
موافقة, موافقة سأعقد الصفقة, أين أنت ؟ لمَ سكَّت ؟ باللّه عليك, إعقد الصفقة, لا أريد أن أموت , إبنتي في إنتظاري .
يخرج رجل مكتث اللحية من خلف قبر
: من أنتَ, أنتَ مختلف عنهم.
: إهدئي, إهدئي,كأني يعسوب الأمان لك, إهدئي,
ألا ترين أن الموت أحقر من أن يخيفك هكذا, تفضلي كعك للثواب إقرأي الفاتحة.
: بسم اللّه الرحمن الرحيم …….
التعليقات مغلقة.