”صيام ونزوح” … بقلم محمد كمال سالم
”صيام ونزوح” … بقلم محمد كمال سالم
كلي يا أمي. تنظر إليه بعينين مطفئتين، وكأنهما عينا ميتةً، وصابر لا يقوى على مواجهة تلك العينينوكأنما ترهقه ذلة. كلي يا أمي، غدا صيام أول يوم في رمضان، وأعلم أنك تصرين على الصيام رغم تحذيرات الطبيب.
خرج صابر لصلاة الفجر جماعة وإنشاء مصلىفهم لم يشغلهم التشريد،أو النزوح القسري من أن يدبروا زاوية في المخيم للصلاة وقيام الليل.
وحين عودته التبس عليه مكان خيمته، فكل التعريشات تتشابه في عوزها وفقرهافهي لا تصد ريحا أو تمنع مطرا، ويتقدمها أطفالا يشبهون أطفاله في كل شيء؛ ماء المطر الذي يبللهما وهم شبه عرايا، يضحكون من قلوبهم ويلعبون.
لم يجد أمه في الخيمة، يسأل زوجته عنها:
أين أمي؟ كانت تجلس أمام الخيمة تراقب الصغار.
طار عقل صابر ؛ فأم صابر ليست أمام الخيمة!
راح يدور حول الخيمة ثم الخيمة التي بعدها، يكاد فؤاده أن يقفز من صدره، المخيم كبير ، ينفض بعض الجيران عن عربة الإغاثة؛وأخذ نصيبهم من الطحين؛ وينضمون إليه في البحث عن أمه، الخبيز، تركوا ما في أيديهم لإغاثة صابر وإيجاد أم صابر الغائبة. تكاد الحيرة تقتله، أين ذهبت أمي؟!
ثم تذكر شيئا، وتردد في رأسه جملة عابرة قالتها له أم صابر:
لا تمنعني الصيام؛ ولن أفطر إلا في بيتي!! هرول سريعا لنهر الشارع واتجه صوب الشمال، والناس تراقبه في دهشة، ماذا دهاه!، أين يذهب صابر؟! يجري صابر بأقصى سرعته رغم الصيام، شاحنة إغاثة تمر به، يستقيم مسرعا: هيه يااااا مصري؟
السائق: أؤمر يا فلسطيني.
لوين رايح؟ خان يونس.
خِدني معك.
اركب بسرعة. الشاحنة تحمل أجولة الطحين، لكن قاطرة السائق ملأى بالبرتقال! قف هنا يا مصري، بيتنا قريب.
(خدلك شوية بورتؤان) لا شكرا.
مافيش شكرا، ده بورتؤان عمك (ربيع أبو حسين)، موصيني أوصله يدا بيد، (خدلك شوية بورتؤان).
يوشك أن يؤذن للفجر
اااه حمدا لله يا أمي أن وجدتك هنا، كما توقعت في بيتنا ولكن، ماذا سنفعل وسط هذا الركام؟!…
اقترب مني بنيَّ. يقترب منها، ينظر في عينيها، كانتا مشرقتين هذه المرة وكأنها عادت فتاة صغيرة. انزل هنا؛وارفع هذه الحجارة ستجد مطبخ أمك، هناك ستجد علبة التمر التي طالما غافلتني وأكلت منها، هاتها.
يضحك صابر سعيدا، ينحني يقبل يدها والسبابة التي كانت تشير بها ثم ينزل.
صوت المدفع يرج المكان كما زلزاللكنه لم يكن مدفع الإفطار.
التعليقات مغلقة.