ضحكات مؤجلة
بقلم هيثم تركي
اندفع الهواء البارد داخل صدره وهو يخطو وحيدًا ونور الفجر يوشك ان يشق ظلام الليل معلناً بداية يوم جديد.
كان صباحاً عادياً في كل شيئ. فقد اعتاد يومياً ان يترجل تلك المسافه بين بيته ومحطة القطار الي حيث يأخذه الي العاصمه ليبدأ عمله اليومي ولمدة ثمان ساعات ليعود ويكرر نفس الرحلة.
كان علي عكس الآخرين، فهو دوما يشعر بسعاده طفل ينتظر بزوغ فجر يوم العيد في رحلته اليوميه الي العمل . ربما ذلك لأنه في خلال تلك الساعة ونصف وهي مدة الرحلة في القطار كان يستمتع بمشاهدة ماحوله من احداث جديدة وثابتة تتكرر كل يوم بحكم ان هناك مئات من الاشخاص يشاركونه نفس الرحلة يوميًا.
هاهو الخمسيني الأشيب في بدلته القديمة متأنق كعادته يبحث بعيني الصقر عن تلك الجامعية الجميلة ليجلس بجوارها ليتجاذب معها اطراف الحديث ويستعيد ذكريات وسامته الغابرة لتلمع عينيه كالنجوم في الليلة الظلماء عندما يفوز برقم هاتفها.
وها هو ذلك الغامض الذي اعتاد ان يخفي وجهه خلف نظارة سوداء وشارب ضخم ودائما ما تري حقيبته الانيقة التي لا تفارق معصمه ابدا.
حتي لتشعر انه في جهة سيادية وان اسرار الدولة كلها بين كفيه.
إن الذين يجلسون بجانب النوافذ في الحافلات والقطارات، لو سألتهم عن تفاصيل الطريق ستجدهم لا يتذكرون شيئاً منه؛ انهم فقط يتأملون احلامهم، ذكرياتهم، حناءنهم، خيبات أمالهم و مستقبلهم المجهول.
اما هو فقد كان دوما ما يجد متعته في مشاهدة هذه المسرحية الحية التي تتجدد دوما في كل يوم.
حتي شاهدها قادمة من بعيد في هدوء، لم يصدق عيناه عندما جلست امامه.. وكأن المشهد توقف فجأة كما لو انك ضغطت علي زر ايقاف الموسيقي فجأة ليتجمد كل من حوله فجأة
ويخلو العالم من حولك .
كانت براءة ملامحها تعجز امامها الكلمات عن اي توصيف ولكن اذا نظرت اليها .. احتوتك
اذا حدثتك .. اغرقتك في بحر من الاغواء
مبتسمة دائما … متفائلة الي الابد
هكذا كانت مشاعره عندما رآها.
وفجأه وبينما هو يحدق غارقاً في تلك البرآة اطلقت تلك الضحكة العابثة وهي تلوح له بكفيها الصغيرين من علي كتف امها.
كانت تلك الصغي التي لم تتجاوز عامها الثاني تلووح له بيدها مبتسمة كعادة اولئك الملائكة.
وعندها ابتسمت الشمس لتغمره بأشعتها الدافئة
وانتابته نشوة غريبة كمن ربح جائزة الحظ الكبري
انها حقا نشوة المحبين.
فنحن دائما لا نري سوي مانريد ان نراه.
والشرط الوحيد بين المحبين ان يكون حبهم بدون شرط. كما حدث معها.
وهاهي صافرة القطار تدوي في اذنه معلنة وصوله الي محطته ليبدأ يوما جديدا ولتبقي تلك الضحكات تدوي في اذنه، وليظل عقله منتظرا ضحكات اخرى…
ضحكات مؤجله!!
التعليقات مغلقة.