قصة قصيرة ‘ ضل راجل“
ابراهيم معوض
ـــــــــــــــــــــ
1
النهار يولد بعد مخاض عسير، والشمس تدير القرص الذهبي كي تلسع وجهها الأسمر الذي عنفه السهر فصار شبيها بوجه الاماء، تكتنز قطع الذهب فى صرة وتحكم قبضتها على فمها، تجلس على الفراش تتمتم بحمد الله الذي أحضر النهار أخيرا، وأنهي معركتها مع النوم والكوابيس لصالح اليقظة والخير، فكلما غفت رأت اللصوص يخلصون الصرة من يدها ويفروا بها هاربين، فتقوم و تصرخ فيصحو الزوج يربت على منكبها وينام، وفي كل مرة يخبرها أن الحذر لا يمنع القدر، وفي كل مرة تهز منكبها ولا تنبس؛ إلا أنها في هذه المرة أطلقت ضحكة تدوي كطلقة مدفع استيقظ على أثرها الولد المريض مذعورا، ولما سأل أخبرته أن الحكمة التى ينطق بها أباه لاتناسب غطيطه المفزع ولا فقره المدقع، فلوى الولد شفتيه وعاد ينزلق ببدنه الهزيل داخل حشوة الليف عله يعاود النوم، وتركها تفكر في زوجها القديم الذي جلب لها كل أنواع السعادة كما جلب لها كل هذا الحلي من ماله ثم مات وتركها كي تبيعه لعلاج اول ولد لها من زوج آخر، تمنت أن يمر الوقت سريعا وتدفع المال فى كف الطبيب وتنتهي، قبل أن تصير الأحلام حقيقة وينهبه اللصوص،تزيد من إحكام قبضتها على الصرة كما تزيد من تصويب سهام عينيها نحو النائم بجوارها وكأنه مات، حتى استيقظ قائلاً: البعوض يلدغني من فوق الشال يا إمرأة انثرى العباءة فوقي. .
فقالت: الحذر لا يمنع القدر يا زوجي الغائب
2
قامت تدس الصرة بجوار قلبها وتجذب أطراف الخمار كى يواري وجهها السقيم، أيقظت الولد وأبيه، تسير محتميه بهما فى طريق الصاغة الملئ بالمخاطر والأهوال، وكلما تنبهت أنهما لا يحميان عصفورا ارتعدت فرائصها، وكلما جال في عقلها أن ظل الرجل أفضل من ظل الحائط سكنت، تنفست الصعداء فور دخولها المحل، فقد قطعت بهذا منتصف الشوط؛ وما تبقى إلا رحلة الخروج بالمال، هدأ الصائغ من روعها حتى افلت الكيس من بين براثنها، وزنه وفحصه ثم قهقه حتى كاد ان ينقلب على قفاه، أعاد الصرة اليها وجذب كوب العصير من يدها بقسوة ثم قال:
- الدهب عيرة يا خالة اطلعي برة وخدي الجوز الرجاله دول في ايدك
إبراهيم معوض
التعليقات مغلقة.