طبول فارغة
بقلم إبراهيم معوض
حشر الناس مع بكور النهار أمام منصة القاضي ، ترتجف قلوبهم من كثرة ما تحمل من ضغائن ، ترفض عقولهم كل الأحكام المبنية على قانون ، تمنى كل منهم أن لو كان على رأس القضاء لنصب المشانق وأشبع مزاجه بالقتل ، زاد اللغط وما هدأ إلا على صوت مطرقة القاضي الذي أبدى بها قوته وهو يخفى خوفه ورفع الجلسة للمداولة .
هل يستطيع أن يواجه الناس بتأجيل جديد ؟ هل يستطيع أن يصدر حكماً لا يرضيهم ؟
زادت الأسئلة و امتلأت حجرة المداولة بالضجيج ، أشار القاضى إلى الحاجب فاحكم إغلاق الأبواب وأمر الشرطي أن يخلى القاعة ويحكم سيطرة الأمن ، الخوف والقلق يحيطان بالمكان . هتافات الناس حول السور ازدادت صخبا بعد خروجهم . المتهم داخل القفص غير عابئ بما يدور وكأن سمعه وبصره قد عطلا ؛ هل طال اليأس قلبه وتساوت عنده الأحكام ؟ أم أن إيمانه بميزان العدالة يغلب خوفه ؟ بسط كفه للحارس يطلب منه بعض الماء فتغافل عنه وكأنه لا يراه ، رفع صوته بالطلب ذاته فزاد الحارس في إهماله ، انقبضت نفسه ونظر إلى متهم آخر ينتظر دوره الذى لا يأتي وقال : هل سمع الحارس طلبي ؟
فقال : إهدأ فلن يعتني بك إنسان ؛ فأنت السفاح الذي هز سكون المدينة .
فضحك ساخرا وقال : والله مظلوم .
-الأهم أن يصدقك القاضي .
-وانت ما جريمتك ؟
-جريمتى مثل جريمتك وشأني مثل شأنك
ولكن الناس نسيت حالي بحالك .أدعو الله الآن أن يرزقهم بمتهم ثالث .
ألقى بصره على المنصة الفارغة يتأمل نقوشها ثم يحوله إلى شارة الميزان والأية المنقوشة بخط الثلث فى محاولة منه لنسيان ظمأه القاتل ، صمت القفص وقام من فيه على صوت الحاجب يعلو (محكمة) جلست الهيئة الموقرة وقلب القاضى الأوراق ، ثم أصدر الحكم ببراءة المتهمان وإخلاء سبيلهما فوراً وبلا ضمان ، ثم رفع الجلسة . .
ألقى جسده البدين نسبياً في مقعد سيارته بعدما مرق بالكاد من بين أجساد المتجمهرين الحانقين ، أخفى ثياب المنصة فى مقعد السيارة الخلفي وألقى نظرة دامعة على الجسد المصلوب على حديد السور ، وتمتم فى خاطره : ما أقسى حكم الناس .
وتتبع بالعين نفسها المتهم الأول وهو يعاونهم فى شد وثاقه .
وقال : الناس قد تنسى ثم أحنى رأسه يدير محرك السيارة ويفكر في قضايا الغد ..
التعليقات مغلقة.