طفل بألف رجل بقلم.بوعون العيد
في اليوم الخامس من شهر رمضان ، كانت وجهتي هذا لصباح الولاية تبسة ، استوقفني مشهد ينم على العفاف والعزة والشهامة والرجولة الحقة ، المنبعثة من تراسيم وجه فتى في الثالثة عشر من العمر ، وهو يجوب الشوارع يحمل قفة بلاستيكية بداخلها بعضا من إكليل الجبل ،والعرعار يود بيعه للمارة ، وهو كذلك يطرق المحالّ، ويستوقف المارّة عله يظفر ببيع حزمة إكليل أو عرعار حتى يعود بعض دريهمات ،ولما اقترب مني سألته من أين أتيت يابني ، فرد قائلا : من البادية وبالضبط من ريف الطرشان ، ثمة استوقفتني محطات عدة ، وعاد بي شريط الذكريات إلى أيام الصّبى حيث مسقط الرّأس منبت الإباء والعزة والكبرياء ، تازبنت القاسية معقل الأسود ومنبع الثوار ، فتشوقت الحديث معه وعظم في نظري لكأنّه أسد هصور يذود عن عرينه ، حيث كان متحدثا بارعا غير متلعثم ولا وجل ،ولا مستاء من وضعه ، بل كان حازما حالما بغد مشرق ملؤه الشموخ والعيش الرّغيد ، مُدركا أن الحياة صبر واصطبار ومغالبة لنوائب الدّهر ، وغوائل الأيّام ،وثبات على سكة المعاش ، وما تُفرزه الليالي والنُّهر من مٱسي ،ومسرات ، هو كذلك ينظر والده الذي هو دون عمل ، وقد مسّه ضُر الحاجة جراء شُح السّماء وحَبس القطر الذي حول الطبيعة إلى أرض جرز مُجدبة مُمحلة ،عدا رحْمة ربي فهو القادر على ذلك ، وأثناء الحوار ،قال لي أنا أسعى إلى العمل لأوفّر بعض مستلزمات الدّراسة ، وأجرة السٌيارات تنقلا إلى مرسط ،حيث أنّه يزاول دراسته بالثانية متوسط هناك . إنه رجل داخل طفل صغير ، بل طفل بألف رجل ، مدرك لكلّ أعباء الحياة من غلاء وعدم قدرة الوالد على تلبية حاجيات الأسرة المتكونة من أحد عشر فردا ، وبعد أخذ ورد في الكلام سألته بما تفكر وبماذا تحلم ،أردف قائلا : ما يهمّني هو العمل والعمل فقط حتى أساعد أبي ، وأُنقذ أمي وإخوتي من دائرة البؤس والحرمان والفاقة التي تقطع أوصالنا يوما بيوم ، لأنها لا سعادة ولا هناء ،وأنت ترى أمك تكتوي بنار الحاجة ، ووخز إبر الإدقاع ، وحتى بعضا من القهر العائلي ، وبينما نحن على خط الحوار استأنسني وراقَه الجلوس بجانبي ،حتى نسي الإكليل والعرعار .
أيها النائمون من أولادنا حتى منتصف النهار ، مستفقين كسلا وخمولا ، وغضبا وتأففا ، وربما إزدراء لٱبائكم وأمهاتكم ، أنتم المتنعمون سعادة ورفاهية وراحة وطمأنينة ، أنتم الموفورن حضا ، احذروا مغبة الأيام وسوء المنقلب فقد تأتي عليكم أيام تتكشف فيها الحقائق ويَقلب لكم الزّمن ظَهر المِجن .
التعليقات مغلقة.