طفولة…حسام شلقامي
طفولة
ﻻ أكاد أذكر من أحداث في حياتي خلال المرحلة الابتدائية إلا النذر اليسير.
كنت في هذه المرحلة مولعا بشراء اللعب البلاستيكية، كانت هي الوحيدة المتاحة آنذاك، حصان بلاستيك، مسدس بلاستيك، عروسة بلاستيك.
كان دكان عمي أشعيا فيلبس في شارع الجلاء مصدر تلك الألعاب، أذكر أنه انفجرت أنبوبة بوتوجاز في هذا المحل، لم يشغل بالي وقتها من الحريق سوى ألعابي، لم يشغلني تعرض الرجل للحريق أو الموت، وإن كان قد أنقذ بحمد الله ولم يصب سوى ببعض تشوهات في جسده ويديه.
سألت أبي رحمه الله وقتها:
..من أين سأشتري لعبي يا أبي أن لم يفتح عمي إشعيا دكانه مرة أخرى؟
فنظر إلي ولم يعقب
كنت اعتقد وقتها أن كل شئ قابل لأن يكون لعبة بلاستيكية، حتى الإنسان، ولذلك لما رأيت رجل دين مسيحي (قمص) يرتدي ثيابا بدت لي عجيبة وقتها جلباب أسود وغطاء رأس أسود وسلسلة جلدية سوداء تنتهي بصليب،فسألت أبي : من هذا؟
فأجابني أبي : إنه قمص وقبل أن أسأله ماذا يعني
قال لي: قمص عند المسيحيين مثل الشيخ عندنا نحن المسلمون،
فصدمته أنا وقتها وقلت له: أريد واحدا مثله لعبه من عند عمي أشعيا
فذهل رحمه الله وعبثا حاول إقناعي أنه لا يوجد قمص لعبه، وأنا مصمم على طلبي، وألقيت بنفسي على الأرض متشبثا بقدم أبي لا أريده أن يكمل المسير إلا إلى دكان عمي أشعيا
والرجل لا يدري ماذا يصنع وتجمع بعض من أصدقاء أبي ومعارفه وقال له بعضهم:
…هات له مايريده ولا تتركه يصرخ هكذا
فأخرج أبي كل مافي جيبه من نقود وهو يقول لهم:
…خذوا كل ما معي وهاتوا له مايريد إن استطعتم
فسألوني: ماذا تريد؟
قلت لهم مصمما: أريد قمصا لعبة من عند عمي أشعيا
فضربوا جميعهم كفا بكف ومضوا متعجبين ولأنه كما تدين تدان وكما كنت أنا بكريا، فقد طلبت مني ابنتي إجلال بكريتي ذات يوم شيخا، سررت أن ابنتي تريد حفظ القرآن، واتفقت مع الشيخ أحمد وهو شيخ شاب فاضل ملتح لحيته شديدة السواد، وفي أول يوم وبمجرد أن رأته ابنتي قالت :
…لا لا هذا ليس هو الشيخ الذي أريده، هذا الشيخ لحيته سوداء والشيخ الذي أريده لحيته بيضاء، وصعدت للأعلى وسرعان ما نزلت وهي ممسكة بلعبة بابا نويل الشهيرة وهي تقول لي:
…أريد شيخا كهذا
فنظرت لها ذات نظرة أبي التي أدركت ساعتها معناها.
أذكر أيضا أنني استيقظت ذات يوم على صوت أبي وأمي وهما يجهزان حقيبة سفر لأبي وكنت قد سمعت في أيام سابقة على هذا اليوم أنه رحمه الله هو ومجموعة من أصدقائه سيذهبون للأسكندرية للاتفاق على شراء مخبز نصف آلي من المصانع الحربية وبالمرة ينتهزون الفرصة ويقضون أياما في المصيف قلت لأبي: خذني معك فرفض أبي ونهرني
قلت له: لن أدعك تسافر
قال لي: وكيف ستفعل؟
قلت له: سأخبط أنفي في الحائط وسأجعله ينزف ولن تسافر
وكنت مصابا بضعف في شعيرات أنفي الدموية يجعلها تنزف من أقل لمسة.
فما كان من أبي رحمه الله إلا أن قال لأمي رحمها الله
…البسيه ثيابه وجهزي له حقيبته ابن ال…….ده
وسافرت معهم إلى الإسكندرية.
التعليقات مغلقة.