عذرا حيوانات كوكب الأرض
بقلـــم قيصـر الأدب د. طـــارق رضـــوان
عذرا حيوانات كوكب الأرض فقد انتهكنا برائتكم وفطرتكم…وحملناكم ما لا طاقة لكم به..وصرتم شهود عيان لا تكذب، وشهدنا لكم بأن أخلاصكم دائم وصادق :
في القرون الأولى والوسطى، منذ آلاف السنين، كانت الجيوش المختلفة تستخدم الحمام الزاجل لخدمة جواسيس بشريين؛ عبر إرسال ما يستخلصه الجواسيس من معلومات إلى قادتهم، أما اليوم فأصبحت وسائل التجسس أكثر تطوراً وحداثة، ورغم ذلك اعترفت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بأنها استخدمت الحيوانات الأليفة في عمليات تجسس مهمة لها، ونشرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية العشرات من الملفات حول اختبارات التجسس التي امتدت على عقد من الزمن، وشملت القطط والكلاب والدلافين والغربان ومختلف أنواع الطيور.
وجعلت الولايات المتحدة من الحيوانات الأليفة، بشتى أنواعها، بديلة لوسائل تجسسها على الاتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة، حيث كشفت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عن قيامها بتدريبات مكثفة لأنواع من الطيور والقطط والكلاب والدلافين، في إطار برنامجها التجسسي؛ إذ قامت بتجهيز هذه الحيوانات بكاميرات وأدوات تنصت وتسجيل؛ بهدف جمع البيانات اللازمة التي تجعلها في موقع الطرف المتفوق.
العديد من الأفلام مولتها الحكومة الأمريكية لتحسين صورتها. الحكومة الأمريكية تدرك جيدا أن شعبها والعالم بأكمله يقضيان ساعات طويلة في متابعة شاشة التلفزيون، والذهاب للسينما على حساب وسائل تثقيفية أخرى مثل قراءة الكتب، وبالتالي كان لزاما عليها استغلال هذه الصورة الملونة، والقصص الخيالية التي يحبها العالم في غرس أفكاره ورؤيته.فاستغلت الأفلام والمسلسلات في تحسين صورتها أمام شعبها والعالم بطرق مختلفة،
وتدخلها في فيلم أنيميشن أكبر دليل على ذلك، ورغم لجوئها إلى طرق ملتوية لتنفيذ فيلم “حيوانات المزرعة” دون أن يدرك العالم أنها الممول وراءه، فإن 20 عاما تلت على صدوره عام 1950 كشفت أن المخابرات الأمركية كانت الممول الحقيقي للفيلم الذي يعارض مبادئ الشيوعية، وأنها اتخذت من شركة بريطانية غطاء لنياتها بدلًا من الاستعانة بشركات أمريكية، لأنها تشك أنهم سيعارضون رغبتها.
استخدمت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي آي إيه” حيوانات وطيور لإنجاز مهام تجسسية خلال الحرب الباردة، فيما تم الكشف مؤخرا عن طرق تجنيد تلك الحيوانات.
ونشرت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، وثائق سرية كشفت كيفية تدريب الحمام للقيام بمهام سرية تتمثل في تصوير مواقع حساسة داخل الاتحاد السوفييتي السابق، كما استخدمت الغربان لإسقاط أجهزة تنصت على حواف النوافذ وكيف دربت الدلافين على مهمات تحت الماء. واستخدم الحمام مع كاميرات دقيقة لالتقاط الصور بشكل آلي، في عملية أجريت في سبعينيات القرن الماضي وحملت الاسم المشفر”تاكانا”، ويرجع استخدام الحمام في عمليات التراسل إلى آلاف السنين، ولكن لم يستخدم في التجسس حتى الحرب العالمية الأولى. وقد كشفت الوثائق عن تدريب السي آي إيه لغراب على تسليم واستعادة مواد وزنها نحو 40 غراما من حواف النوافذ.
وقد استخدم مصباح خاص وأشعة الليزر لإرشاد الطير لطريق العودة. وفي إحدى المرات نجحت السي آي إيه في زرع جهاز تنصت على حافة نافذة من خلال أحد الطيور.
، أما استخدام القطط فجاء خلال عملية سابقة أطلق عليها “أكوستيك كيتي” تضمنت زرع أجهزة تنصت داخلهم.
وكشفت الوثائق عن استخدام الدلافين في “اختراق الموانئ” سواء بتوجيه بشري أو بدونه، وحاول فريق تدريب دلافين على شن هجمات ضد سفن العدو، كما كانت هناك اختبارات حول إمكانية حمل الدلافين مجسات لرصد أصوات الغواصات النووية السوفيتية أو رصد النشاط الإشعاعي أو البيولوجي من منشآت قريبة. فالحيوانات الأليفة جواسيس لدى المخابرات الأمريكية خلال حربها الباردة.
استعانت وكالة الاستخبارات الأميركية بعلماء طيور؛ لمعرفة تلك الطيور التي تمضي جزءاً من السنة في منطقة واقعة جنوب شرق موسكو، حول مدينة شيخاني، حيث كان يملك السوفييت مصانع أسلحة كيميائية، وكانت الوكالة ترى هذه الطيور على أنها «مجسات حية» تحمل في جسمها من خلال الأكل الذي تقتاته المواد التي يختبرها الروس.
وقد علق الخبراء آمالاً كبرى على الغراب «دودا»، فقد كان يتمتع بقدرة تحمل كبيرة، و«نجم المشروع» على ما كتب أحد العلماء، فهو كان قادراً على معرفة الارتفاع الصحيح والرياح المواتية، وكان حذقاً في تجنب هجمات الطيور الأخرى، إلا أن جلسة التدريب في 19 يونيو 1978 لم تنته على خير، فقد هاجمته غربان أخرى، واختفى من غير رجعة، ما شكّل نكسة للعلماء.
كيف وظفت السينما العربية والعالمية الحيوانات؟
السينما العربية لم توظف الحيوانات بالصورة المرجوة التي تثري فكر ووجدان المشاهد، بل على العكس لم تصل لأدنى مستوى مما ورد في حكايات (كليلة ودمنة) لابن المقفع والتي أصبحت من صميم التراث العربي، إذ جاءت هذه الحكايات على ألسنة الحيوانات، وتطرح من خلالها القيم الاجتماعية والانسانية وإشكاليات الواقع السياسي الذي يكرر نفسه منذ مئات السنين، فأغلب الأفلام بهذا الخصوص فارغة من أي مضمون باستثناء أعمال قليلة، وجاء اعتماد معظمها على التسلية والإثارة، وورود أسماء الحيوانات ضمن عناوين الأفلام العربية هدفه جلب المشاهد لصالات العرض ومنها على سبيل المثال: النمر 1952، إسماعيل ياسين في جنينة الحيوانات 1957، عاشور قلب الأسد 1961، الثعلب والحرباء 1970، عضة كلب 1983، والنمر والأنثى 1987 مثل الفيلم الشهيرKing Kong بنسخه المتعددة.
ولا مفر من الإقرار بأن السينما العالمية ظلت الأكثر استقطابا للجمهور العربي بمثل هذه النوعية من الأفلام، لما تتمتع به من تقنية عالية، وتوظيف الخيال العلمي، وجمالية الصورة التي هي لغة العصر الحالي .
برز حضور القطط في عناوين بعض الأفلام رغم عدم ظهورها بالعمل نفسه غالبا، كدلالة أو إسقاط للتعبير عن العديد من القضايا، ومن بين هذه الأفلام : قطة على نار 1977، القطط السمان 1978، القط اصله اسد 1985 واسد وأربعة قطط 2007 .
وأحيانا من أجل إيصال رسالة مبطنة من لاعب الدور البطولي وهو أن صداقة الكلب أفضل من صداقة الإنسان بل وأوفى من الإنسان،مثل الكلب الأشهر فى السينما العربية وهو (روى) فى فيلم الشموع السوداء
تميزت السينما المصرية عن غيرها بتوظيف الحيوان كدلالة للتعبير عن التباين بين طبقات المجتمع على الصعيد الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وعلى سبيل المثال يتم التعبير عن حياة البؤس والشقاء في الأرياف من خلال الأبقار ومشهدها المألوف وهي تدور مكانها حول الساقية كناية عن عدم تطور حال الانسان الغلبان وثباته مكانه، وعلى العكس حين تصور الأبقار ضمن مزارع فارهة لتدل من خلال ذلك على ثراء أصحابها من الفاسدين والمتنفذين. وترى ذلك كمثال فى فيلم (شباب امرأة) 1956، عندما باعت الأم فردوس محمد بقرتها الوحيدة لتأمين مصاريف تعليم ابنها بالفيلم شكري سرحان قبل توجهه للدراسة في القاهرة، وراحت تتلمس البقرة بحنان وهي تودعها بعد أن قبضت الثمن، واضطرها لذلك الفقر الشديد الذي يعانيه سكان الارياف .
وهذا ما ينطبق على الخيول وضمن العديد من المشاهد وهي تجر حنطور يعتاش من خلاله إنسان غلبان يظهر بملابس رثة وبالية، اما المرفهون والميسورون فالخيول بالنسبة لهم تعني الرهان عليها في السبق مثل مليون جنيه 1953، موعد غرام 1956 وماليش غيرك 1959 .
الحمار كان أكثر تعبيرا عن حالة الضنك والفقر بمجموعة من الأعمال السينمائية، وخير مثال على ذلك فيلم (الفتوة) 1957، وحضر الحمار أيضا في العديد من المواقف التي يغلب عليها الطابع الفكاهي، وضمن سيناريو مجموعة افلام ومن بينها : صراع في النيل 1959،خرج ولم يعد 1984 وحنفي الأبهة 1990.
وضمن الافلام الكوميدية أيضا ساهم القرد بإضحاك المشاهدين بمجموعة اعمال منها فيلم : اسماعيل ياسين طرزان 1958 والقرداتي 1987. الغوريلا شاركت بالعديد من الأعمال وضمن القالب الكوميدي أيضا ومنها : بيت الاشباح 1951، شنبو في المصيدة 1967، والبحث عن المتاعب 1975، وفيما يتعلق بالأسد والفيل كان أغلب حضورهما بالأفلام التي تصور في أجواء السيرك ومنها (فتاة السيرك) 1951، (غرام في السيرك) 1960 و(السيرك) 1968.
لم تقتصر الأغاني المصرية على التغني بالحبيب أو الحبيبة، إذ غنى العديد من المطربين والمطربات للحيوانات، وهذه خصوصية أخرى تفوقت بها السينما المصرية على السينما الأميركية والاوروبية، والأمثلة كثيرة في هذا السياق ومنها عندما دافعت أم كلثوم عن حق الغنم التي تعرضت للإهانة ضمن تسلسل الاحداث بفيلم (سلّامة) 1945،، ومن فيلم اّمال 1952 غنت شادية للحمار (مبروك) مشفقة عليه: شي يا حماري .. حا يا حماري .. قلبي عليك من طول مشواري، وعودة لفيلم : مولد يا دنيا عندما غنت عفاف راضي للحصان (شنكل) : الحلو والنبي.. تبسم للنبي.
وبفيلم : عنتر ولبلب 1951، سبق الفنان شكوكو زمنه وكأنه يصور واقع الحال الاّن عندما غنى لمجموعة من الحيوانات داخل زريبة :
خليكوا شاهدين يا بهايم على غدر البني اّدمين
إخلاصكم إخلاص دايم إنما دوكهم خاينين
عيَّط يا حصان على خيبتي ارفس واحتج معايا
حيطيَّروا مني حبيبتي إنت ماعندكش ولايا
ويا بقرة يا شايفة مصيبتي ارقعي بالصوت ويايا
يكفيكي شر السكاكين والمدبح قولي اّمين .
وأيضا قدمت السينما العالمية العديد من الأفلام التي لعب دور البطولة فيها حيوانات وحققت هذه الأفلام إيرادات هائلة، أبرزها على سبيل المثال فيلم جودزيلا ، The Birds، Jaws، King Kong ،Planet Of The Apes وطرزان.
التعليقات مغلقة.