عروة بن الورد وسلمى بقلم / مدحت رحال
أمير الصعاليك ،
من شعراء الجاهلية وفرسانها ،
قبل أن نتعرف على صعلوكنا ،
لنتعرف على معنى الصعلكة ،
أو لنقل فلسفة الصعلكة ،
الصعلوك لغة هو الفقير الذي لا مال له يستعين به على أعباء الحياة ،
وفي عصرنا نقول صعلوك : للمتشرد الذي لا شأن له والذي لا يلتزم بخلق ولا قيم ،
هو عالة على المجتمع والحياة ،
..
وفي العصر الجاهلي كان للصعلوك مفهوم آخر ،
كان الصعلوك يمثل شريحة في المجتمع لها فلسفتها ،
فقد أخذت الصعلكة مظهرا إيجابيا في المجتمع
فرغم أنها تقوم على السلب والنهب ،
إلا أن كان الصعلوك يأخذ من مال الأغنياء الأشحاء ليطعم من يلوذ به من الفقراء والمعدمين ،
..
اشتهر من هؤلاء الصعاليك :
عروة بن الورد العبسي
السُلَيك بن السلكة
تأبط شرا .
وكان عروة أشهرهم وأشرفهم نفسا
وسُمي :
أمير الصعاليك
..
كان شديد البأس ،
من فرسان العرب المعدودين ،
والده / الورد بن زيد ينتمي إلى نسب أصيل ، وله أثر في قومه ، وكان له دور بارز في حرب / داحس والغبراء بين عبس وذبيان ،
وكانت أمه غريبة عن بني عبس ،
فهي من قبيلة يمنية غير ذات شأن تدعى ( نهد ) ،
الأمر الذي ترك اثرا بالغا باعتبار أمه نزيعة ،
ونزائع القبائل : غرباؤهم الذين يجاورون قبائل ليسوا منهم ،
وهذا ما مثل مطعنا في كرم منبت عروة ،
وقد يكون سببا في جنوحه إلى الصعلكة ،
فقد أراد أن يحقق بسيفه من الصيت ما قصر به نسبه ،
..
أغار عروة على قوم فاصاب امراة بِكرا من كنانة تدعى ( سلمى ) ،
فلما رجع بها إلى مضاربه أعجبه حسنها فأعتقها وتزوجها ،
ومكثت عنده أكثر من عشر سنوات وأنجبت له اولادا
وكان يحبها حبا شديدا
وكان موقنا أنها تبادله حبا بحب ،
..
كانت سلمى لا تفتأ تلح عليه أن يكف عن الغزو خوفا عليه وضنا به ،
ولم يُعِر مخاوفها أي اهتمام ،
فقد أصبحت الصعلكة معلما من معالم حياته عُرف بها بين القبائل ،
وقال في ذلك :
أقلي علي اللوم يا ابنة منذر
ونامي فإن لم تشتهي النوم فاسهري
..
ذريني ونفسي أم حسان إنني
بها قبل أن لا أملك البيع مشتري
..
ولكن هل كان حب سلمى لعروة وما أحاطها به رعاية وحب ،
وما أنجبت منه من ولد ، قادرا على أن ينسبها حنينها الفطري للحرية ولوطنها ،
وهي العربية ذات الآنفة والكبرياء ؟
رغم كل ما أحاطها به عروة من حب وحياة رغيدة ،
فقد بقيت نفسها تنازعها إلى الحرية ،
..
طلبت سلمى من عروة أن يحج بها ،
وقد كان يرى من تعلقها به وخوفها عليه ، وأنها أصبحت عنده ذات ولد ، ما يجعله يطمئن إليها ولا تساوره الشكوك بشأنها ،
وافق عروة وخرج بها حاجا ، فأتى بها مكة ثم المدينة ( وكانت تسمى يثرب ) ، وكان له علاقة ببني النضير ،
كما أن قوم سلمى كانوا أيضا على صلة ببني النضير ،
..
ودست سلمى إلى قومها أن يأتوا عروة ويسقوه الخمر ،
ويطلبوا إليه أن يقبل منهم الفداء بسلمى ،
وفعلوا ذلك .
ولما تمكنت الخمرة من عروة سألوه الفداء بسلمى على أن يزوجوها منه وهي حرة فإن سبيها سبة في القبيلة ،
قبل منهم عروة ذلك على أن يخيروها ،
وأشهدوا عليه من حضر ،
..
وفي الغد طلب قومها من عروة إنجاز وعده ،
فأنكر أن يكون قد فعل ذلك ،
ولكن الشهود أقاموا عليه الحجة ،
ولما خيروها اختارت أهلها .
وكان لهذا وقع الصاعقة على عروة ،
تخلت عنه وعن أولادها في سبيل حريتها ،
..
أقبلت سلمى عليه وقالت :
يا عروة ،
أما إني أقول فيك وقد فارقتك الحق ،
والله ما أعلم امرأة من العرب ألقت سترها على بعل خير منك ،
فقد كنت أغض طرفا وأقل فحشا وأجود يدا .
ولكنه ما مر علي يوم منذ كنت عندك إلا والموت أحب إلى من الحياة بين قومك ،
فإني ما فتئت أسمع نساء قومك يقلن :
قالت أمة عروة وفعلت أمة عروة ،
ووالله لا أنظر في وجه غطفانية أبدا ،
فارجع راشدا إلى ولدك وأحسن إليهم ،
اختارت الحرية والكرامة على الحب والولد ،
..
ندم عروة ، ولات حين مندم ،
يقول عروة متحسرا أسِفا على تفريطه بسلمى :
أرقت وصحبتي بمضيق عٓمق
لبرق من تهامة مستطير
سقى سلمى ، وأين ديار سلمى
وقد كانت مجاورة السرير
ذكرت منازلا من أم وهب
محل الحي أسفل من نقير
وأحدث معهد من أم وهب
مُعٓرسُنا بدار بني النضير
وقالوا ما تشاء فقلت ألهو
إلى الإصباح آثر ذي أثير
بآنسة الحديث رضاب فيها
بُعَيد النوم كالعنب العصير
..
وعلى الرغم من أن عروة بن الورد كان صعلوكا يتعيش مما يختطفه من غاراته على القبائل ، فقد كان ذا همة عالية ،
يغزو ليطعم ،
..
ولا أدل على ما كان لعروة من مكانة عالية ، وما كان يتمتع به من صيت يرفعه من منزلة الصعلوك إلى منزلة العلية من القوم ما قاله فيه معاوية :
( لو كان لعورة بن الورد ولد لأحببت أن أتزوج إليهم )
وقول الحطيئة :
( كنا نأتم في الحرب بشعره )
وقول عبد الملك بن مروان :
( من قال إن حاتما أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد )
..
تعقيب :
أيا ابن الورد كيف أضعت سلمى
بزق من خمور الأندرينا
..
وخوف العار قد ضحت سليمى
وفارقت المنازل والبنينا
مدحت رحال ،،،
التعليقات مغلقة.