عزير إبن الله، وفسادات التأويل
عزير إبن الله، وفسادات التأويل
د.أحمد دبيان
فى النص القرآنى المنزل آية لا تزال تثير الكثير من البلبلة والإعتراضات والجدل .
( وقالت اليهود عزير إبن الله )
فهل قالت اليهود ذلك بالفعل ؟!
إذا ما طالعنا نصوص التوراة أو المشناه أو التوراة السامرية لن نجد أبداً أى نص مكتوب عن بنوة لله إلا فى إطار البنوة المجازية لله كونه الفاطر الخالق المنعم .
وهناك حديث للرسول عليه الصلاة والسلام بنص
( الخلق عيال الله )
وبينما جاءت الآية تعريضاً باليهود وإتهامهم بالشرك وهو ما يدحض تمايزهم وخيلاءهم الوجودي بزعمهم أنهم شعب يهوه المختار فالواقع النصى من كتبهم و شروحاتهم لا يأتى بأى نص يدعم هذا الإتهام .
وجاء التفسير الإسلامى شائها قاصراً حيث تم إلباس عزير المذكور فى القرآن الى عزرا الكاتب
Esdras the scribe
واذا ما أطلعنا على الكتاب المقدس اليهودى
Hebrew Bible
لن نجد أبداً شبهة تقديس لعزرا الكاتب الذى أعاد كتابة التوراة بعد أن بليت ومحيت صحائفها فأجرى الله التوراة على لسانه فكتبها بعد ان دمر نبوخذنصر الهيكل الأول وتم الأسر البابلى .
و
يصف سفر عزرا كيف قاد مجموعة اليهود المنفيين الذين كانوا يعيشون في بابل إلى مسقط رأسهم في القدس بعد أن سمح لهم مسيح الرب قورش بالعودة و فرض احترام التوراة وتطهير المجتمع من الزواج المختلط.
والمسيح هو لفظة آرامية تعنى الموعود الموكل بتنفيذ مهمة ربانية محددة حتى وان كان وثنياً مثل قورش .
عظم اليهود عزرا الكاتب وبعضهم قال ان موسى اتى بالتوراة فى الألواح مكتوبة بينما أتى بها عزرا شفاهة ووحياً وهو هنا أعظم من موسى ولكنهم أبداً لم يقولوا بأن عزرا ابن الله .
جاء الخلط من المفسرين الإسلاميين حين إستعاروا وخلطوا قصة عزرا وتعظيم اليهود له وأدخلوا فى طلاسم تفسيرية عجيبة ان عزيز هو من تعنيه الآية ٢٥٩ مِن سورة البقرة :
( أًوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
وهى آية جاءت بعد آية تتحدث عن محاججة النمرود لإبراهيم عليه السلام عن الإحياء والموت وتتحدث عن شخص صالح ما مر على قرية موات فشك وتساءل كما الخليل ابراهيم عن قدرة الله على النشور والإحياء .
فإستعار كثير من المفسرين الإسلاميين قصة عزير انه هو هذا الشخص الذى تعنيه الآية وأعتصروا التفاسير ولووها بأن عزيراً هذا مر على أورشليم والهيكل المدمر فتساءل أنى يحيى الله هذه بعد موتها وان الله قد أماته مائة عام فلم تبقى الا خادمته ، وابنة له ونسيه الناس الى ان أحياه الله فرأى التوراة وقد بليت ونساها الناس فأجراها الله على حافظته فعظموه بعدها وزعموا أنه ابن الله .
وبينما رأى السموأل بن يحيى أنّ عزير لا يصحّ أن يُسمّى عِزْرا، فقال بالنص
«وعِزْرا هذا ليس هو العُزَير كما يُظنّ لأن العُزَير هو تعريب العازار، فأمّا عِزْرا فإنه إذا عُرّب لم يتغير عن حاله لأنه اسم خفيف الحركات والحروف ولأن عِزْرا عندهم ليس بنبي وإنما يسمونه ، عزرا هوفير وتفسيره الناسخ.
وهو نفس اسم
Esdras the scribe
ومعناه بالعبرية
God helps
أو الله عضده .
فقد قال ابن حزم أن بعض فرق اليهود مثل الأصفهانية كانت تقول بأن عزير أو عزرا هو ابن الله .
وكما ذكرت لن نجد فى كتاب عزرا الأول أو الثانى من الأبوكريفا اليهودية أى نص يذكر رواية الموت و الإحياء لعزرا .
إختلفت التأويلات فيمن هو عزير المعنى فى القرآن وهل هو إخنوخ ( أو إدريس عليه السلام ) والذى تورد التوراة أنه أول من رفع إلى السماء .
( وسار إخنوخ مع الله )
او كما ذكر القرآن الكريم
( وأذكر فى الكتاب إدريس أنه كان صديقاً نبياً ورفعناه مكاناً عليا )
وإخنوخ تأتى من الفعل ( حنك العبرى ) والذى يعنى الدارس المتفقه وهو معنه إسم إدريس .
ومن قائل أنه إيلياء النبى الى من قال أن العزير هو إرمياء .
جاءت بعض التفاسير أن عزير المذكور فى القرآن بأنه أوزيريس إله الآخرة والذى قطعه أخاه ست بعد أن قتله ليستولى على العرش ، وكما تذكر الأسطورة المصرية القديمة فإن إيزيس قد سارت تجمع الأشلاء حتى إكتمل الجسد فكان الإحياء .
نطق أوزيريس
هو
Osiris
وتقال إختصاراً
Osir
وهى نفس نطق عزير القرآنى
ينفى علماء اليهود بالطبع هذا التأويل تاركين التفاسير المغلوطة أبواباً للجدال والطعن .
وبالطبع لم يحاول أحد المفسرين المسلمين التعمق فى تبنى هذا الطرح.
فى الواقع أن التأويل القائل بأن العزيز القرآنى والذى يتطابق نطقه الى حد التناص مع
أوزير
Osir
هو الأقرب للحقيقة ، فهل عبد اليهود أوزيريس ؟ أو قالوا بأنه ابن الله ؟
الواقع انه فى المدراش وهو جزء أصيل من الفقه الدينى اليهودى هناك ذكر لقوى سحرية وكان يوجد ذكر لأوزيريس فيها ، والأهم أن اوزيريس بتمثله اليونانى هو سيرابيس .
وفى كتاب
Egyptian cultural icons in Midrash.
الجزء الثالث والعشرين الفصل الرابع للبروفيسورة الاسرائيلية اليهودية ريفكا أولمير
أن موسى عليه السلام وأثناء الخروج من مصر ألح عليه بنو إسرائيل أن يحمل رفات يوسف معه وفى التراث الإسلامى كان من دلته عليه إمرأة عجوز تعرف موضع الجثة .
تورد البروفيسورة ريفكا أوليمير نقلاً عن المدراش اليهودى أن موسى والذى كان يمتلك قوى سحرية دحض بها سحرة فرعون ناشد رفات يوسف
Aleh shor oh Ox
اى انهض ايها الثور
وان اليهود كانوا يؤمنون بتماثل عجل أبيس او سيرابيس مع نبى الله يوسف .
وان أبيس يمثل التجسيد لسيرابيس أوزيريس . وربما يفسر هذا عبادتهم للعجل أثناء خروجهم من مصر بعد أن صنعه لهم السامرى أثناء غياب موسى على جبل حوريب وهو يتلقى الألواح مستلهمين تجسد يوسف الممثل فى سيرابيس أوزيريس .
وكما نعلم أن أوزيريس هو البطل الرئيسى للأسطورة الرمزية التي تعبر عن فلسفة العقيدة المصرية القديمة نفسها مع خلق الأرض “
( خلق الإله الأكبر نفسه بنفسه توطئة لخلق الكون، ثم خلق آلهة التكوين التي تمثل عناصر الوجود بأكمله”. ويمثل الوجود البشري في الأرض واستمراره الثالوث المقدس المكون من “أوزوريس، وإيزيس، وحورس”.)
فجاءت الآية القرآنية تعريضاً بتقديس اليهود للعجل المجسد لأوزيريس الإبن فى الثالوث المقدس المصرى والذى آمن يهود الخروج انه التجسيد لسيرابيس يوسف والذى كان من جاء ببنى إسرائيل بعد المجاعة التى ضربت فلسطين والشام مستقدماً أبيه والأسباط الإثنى عشر فقدسوه وعبدوه انحرافاً ضمن انحرافات متعددة مست صلب العقيدة الوحدانية لديهم .
التعليقات مغلقة.