عش الدبابير…
مدحت رحال
قصة قصيرة
عش الدبابير
( إياك وعش الدبابير ) !!
سمعها مرة في فيلم التيتانيك ،
حيث حذرت سيدة ، بطل الفيلم الفقير المعدم من الإقتراب من بطلة الفيلم الارستقراطية ، فيفتح على نفسه / عش الدبابير ،
ارتجف قلبه وقتها
وها هو يرتجف ثانية
للذكرى الأليمة :
كان صبيا عندما مر ذات يوم بعش للدبابير ، فسولت له نفسه أن يهيجه ، فانطلقت أسراب من الدبابير تهاجمه ،
ونجى منها بأعجوبة ، بعد أن تلقى عشرات من اللسعات تورم لها رأسه ، وتحجر وجهه ، وكاد أن يكون من الهالكين ،
والدبور هو الزنبور ،
ويطلق في مصر على الرتبة العسكرية لضباط الجيش والأمن العام ،
فيقال ضابط بدبورتين ، أو تاج ودبورتان ، وهكذا ،
من هنا حذره صاحبه ،
( إياك وعش الدبابير )
لنبدأ الحكاية من أولها ،
( حياة ) فتاة جامعية من عائلة كبيرة مرموقة ،
ذات قد نحيل ، وخد أسيل ، وطرف كحيل ،
على قسط وافر من الجمال ،
فإذا اقتربت منها ترى فتاة حلوة مُلاحة ( بضم الميم )
ذات شخصية جذابة ، واثقة ، ذات خلق ،
تربية أرستقراطية منفتحة ، لكنها واثقة الخطى ،
راجحة العقل ،
كانت على علاقة زمالة مع الجميع ،
كانت تعلم أن الكثيرين يحاولون لفت نظرها بطريقة أو بأخرى ،
ولكنها كانت تقف من الجميع على مسافة واحدة ،
عُرِف ذلك عنها ، واحترموه فيها،
( سامر ) ، شاب وسيم ، أنيق المظهر دون مغالاة ،
حلو المعشر ، دمث الأخلاق ،
محبوب من زملائه ،
لفت نظر / حياة ، أنه لم يحاول جذب انتباهها كما يفعل الآخرون ،
يتبادلان التحية كأي زميلين في الجامعة ،
وقد يتبادلان بعض الحديث العادي فيما يخص الدراسة أو الأمور الأخرى ،
لا شيء غير ذلك ،
أثار ذلك تساؤلها ،
فكانت تسترق إليه النظر من باب الفضول ،
إلى أن ضبطته مرة ينظر إليها من طرف خفي حرص كل الحرص ألا يلاحظه أحد ،
أحست بنشوة أرضت غرور الأنثى فيها ،
ها هو ينجذب إليها كغيره ،
لم يلحظ أنها ضبطته متلبسا ،
ولم تلحظ أنها بدأت تسترق إليه النظر ليس من باب الفضول ،
بدأت تنجذب نحوه دون أن تدري ،
أحست به ينظر إليها من طرف خفي ،
استدارت باتجاهه ،
أحس بارتباك شديد ، وأخذ يتشاغل بتقليب صفحات كتاب بين يديه ،
ورأى ظل ابتسامة على شفتيها ،
لم ينم ليلتها ،
هل يعقل أن يحصل ذلك ؟
وهي التي تكسرت على اعتابها جميع موجات التزلف ومحاولات لفت النظر ،
وأصبحا أكثر جرأة في تبادل النظرات ،
سكتت الشفاه وتكلمت العيون ،
وفضحتهما العيون ،
وذات يوم تقدم إليه صديق مقرب ، وانتحى به ناحية وقال له :
( إياك وعش الدبابير )
انتفض وارتجف فؤاده ،
حاول أن يتغابى ، فلم يستطع ،
سأل صديقه : ماذا تقصد ؟
قال صديقه :
( أقصد حياة ) !
عائلتها من كبار العائلات في البلد ،
معظم اهلها في الجيش والامن العام ،
أقلهم رتبة يحمل على كتفيه ثلاثة ( دبابير )
بعضهم تقلد مناصب وزارية ،
أنا أشفق عليك ،
أحست ( حياة ) بتغير في ( سامر )
بدأ يتحاشى نظراتها ،
اقتربت منه بخطى ثابتة ،
لم تكن تنقصها الشجاعة،
نظرت في عينيه وقالت له :
ما الأمر ، هل من خطب ،
قال وهو يتحاشى أن يلتقي بنظراتها :
لا شيء ، أي خطب ؟
قالت : أنت اليوم غيرك بالأمس ،
وصارحها بكل شي ،
وعن تحذير صاحبه من عش الدبابير ،
قال :
أنا أخشى عليك لا على نفسي
لن يرضى أهلك بعلاقة غير متكافئة وأخشى أن ينالوك بسوء ،
وأحست الصدق في كلماته ،
نظرت في عينيه مليا ، ولم تتكلم ،
وكان لها من قوة الشخصية ، ورجاحة العقل ،
ومن رصيد هائل من ثقة الأهل بها ، ما جعلها لا تضيع وقتها ،
وقد عرفت ما تريد ،
وفي جلسة مع العائلة أخبرتهم بعلاقتها الشفافة مع سامر ،
وعن عش الدبابير الذي حذره صاحبه منه ،
لم تُخفِ شيىا ،
كانت تعلم في ذويها وخاصة والدها السماحة ورجاحة العقل ، وثقته بأن ابنته لا تنساق وراء عواطفها ،
فإذا كانت قد قررت أمرا فقد عرضته على عقلها أولا واقتنعت به ،
ولدهشته ،
فقد تقدمت منه في اليوم التالي بعد المحاضرة ،
وقالت له :
انت مدعو غدا عصرا إلى :
( عش الدبابير )
أقول لك كلمة واحدة :
كن أنت ،
وانصرفت ،
وفي الموعد ، كان يقرع جرس باب فيلا والدها ، ،
استقبلته حياة ،
ودلفت به إلى قاعة الإستقبال ( ألهول كما يحلو للأرستقراطين أن يدعوها ) ،
وما هي إلا برهة حتى حضر والدها وإخوتها إلى القاعة ،
مرحبين بالضيف هاشين باشين ،
وكانت الدبابير تلمع على أكتاف بعضهم ،
وأقبلت ( حياة ) تحمل أكواب القهوة ، وعلبة من الشوكولاته الفاخرة ،
وتجاذبوا اطراف الحديث ،
عن الاوضاع العامة ، وظروف الحياة الإجتماعية ،
وحدثهم ( سامر ) عن عائلته وظروفها الإجتماعية ،
حدثهم عن والده وكفاحه في سبيل توفير وسائل العيش الكريم لعائلته ،
كان يتحدث بفخر وإكبار واعتزاز ،
مما أثار إعجابهم واحترامهم لهذا الفتى ،
واحترامهم لأبيه فيه ،
كان كما قالت له :
كن أنت ،
فكان هو ،
لم تبهره أبهة المكان ، والجو الأرستقراطي حوله ،
وطال الحديث عفويا وتلقائيا ،
وعندما أحس أنه قد آن أوان الإستئذان ،
نظر إلى ( حياة ) ,
وقال مبتسما :
وها أنا من اجل ( حياة )
دخلت عش الدبابير ،
( ولم تلسعه الدبابير ) ،،
مدحت رحال
التعليقات مغلقة.