” علقة ساخنة”بقلم محمد كمال سالم
تختبئ شمس يناير, خلف ركامات السحاب, تصبح كأنها شاشة فضية عملاقة, تعتقل قلبي وروحي خلفها, بخار الماء المتصاعد من فمي, أطرافي المتجمدة, وطل يلفح وجنتي, أظنها ستمطر أيضا, فالسماء بدأت تدمع, وردائي الشتوي الكثيف, لا يحمل من دفء إلا منظر خادعا.
يدفعون بي كل صباح إلى هذا الآتون.
تمنيت لو أني أعرف, من أي شجرة أو نخلة, يجتز الأستاذ فاروق مدرس الجغرافيا, عصاه الطويلة من الجريد, وكيف يقلمها ويبرمها بمهارة, حتى تسبب لضحاياه من أمثالي كل هذا الألم, دفعني كل هذا للاعتراك مع نفسي والتردد, والخوف الشديد مما أنا مقبل عليه.
نجح كبير العصابة, في هذا البهو الدافئ, أن يقنعني بخطته الجهنمية, للسطو على شركة استبدال العملات النقدية, كان لديه قناعة أن هذه الشركة بها من الأموال مايتفوق على نظيرتها في البنك والأهم أنها لا تتمتع بتلك الحراسات الشديدة, التي لدى البنوك ؛ مما يسهل التعامل معها والسيطرة عليها.
توحدت إرادتي معه, وراوغ حلمي المبكر واتسق بحلمه, وامتلاك سيارة خاصة بيضاء كالثلج, فرشتها فيروزية من فُرير, كأنها قطعة من سماء أغسطس, وحافظة مكتظة بالبنكنوت.
حانت ساعة الصفر, الأنفاس تلهث تحت وطأة الأقنعة, انتشر كل فرد بالفريق الملثم موقعه, حسب الخطة الموضوعة, تمت السيطرة علي أفراد الأمن, والاستيلاء على أسلحتهم بسرعة شديدة, انصاع الموظفون والعملاء تحت وطأة الترويع, لأوامر كبير العصابة الذي كان صارما مقنعا, تمنيت وقتها نجاح العملية, وألا يحاول أحد الضحايا القيام بعمل بطولي, فتكون حياته ثمنا لهذا, فأنا أكره العنف والقتل, كنت على يقين من جدية رئيس العصابة, وحرصه المميت على نجاح هذه العملية.
اضطربت القلوب وتحشرجت الحناجر, والأيدي تجمع كل الفئات النقدية حتى امتلأت الحقائب, وبدأت خطة الانسحاب المحكمة, وازداد انبهاري بهذا البطل الجسور, الذي أظنه ماوقع يوما تحت إرهاب خيزرانة أستاذ فاروق مدرس الجغرافيا
صار الجميع بعد الهروب في أمان, سعيدا بغنيمته,
وانتهت الحفلة, وافترقنا.
في طريق عودتي, أئن تحت وطأة حمل حقيبتي المكتنزة, الشغف والنشوة تسيطر على كل حواسي, هذه الساعات المثيرة, جعلتني في حاجة شديدة للاسترخاء.
شعرت بالأمان, لما أصبحت بمقربة من البيت, فإذا بيد قوية تقبض عليّ من قفاي حتى كدت أختنق بياقتي, سقط فؤادي على أثرها في حذائي, وإذا به أبي:
_أين كنت طيلة النهار, ولمَ لم تذهب اليوم إلى مدرستك؟
التعليقات مغلقة.