” على استحياء ” محمود حمدون
” على استحياء ” محمود حمدون
علّها المرة الأولى التي أدلف فيها إلى قاعة محكمة , لطالما مررت بها عند ذهابي للعمل , مبنى مستطيل الشكل , أمامه تقف سيارات الأجرة و من فرط رؤيتي للمكان في ذهابي وإيابي فقد تاهت معالمه , اليوم قادتني قدماي للداخل , دعوة لمقابلة صديق , أصر على اللقاء بواحدة من قاعات المحكمة الكثيرة , سألتُ الحرس , آخرين يرتدون السواد , جميعهم وجوههم مكفهرة ربما بطبيعة العمل أو ضيثًا من كثرة الأسئلة الملقاة في وجوههم .
رأيت قاعة بابها مفتوح , تكتظ بالخلق , ولجتُ إليها وجلست بين الناس , جريمة شنعاء, يُحاكم شخص قابع في قفص حديدي , تٌكال له الاتهامات , تُرصّ مواد الادانة من نصوص قانون العقوبات , على استحياء رأىتُ محاميًا يسعى بيننا و عرق يغمره للدفاع عن المٌدان مسبقًا , لكن دون جدوى.
ثم رُفعت الجلسة تحسبًا للنطق بالحكم ,ولمّا استيقظت من إغفاءة عابرة ,وجدتني داخل القفص , القاضي قد استوى على المنصة , شعرتُ كأن القضبان الحديدية تأخذ بخناقي , نظرتُ حولي وجدتُ المتهم يجلس بين الحضور يرتدي حُلة أنيقة , بيده سيجار فاخر وعلى وجهه نظرة رضاء , في تلك اللحظة تهادى إليّ صوت القاضي كأنما ينبعث من جُبّ عميق: أتيت إلى حتفك بيديك , بهذه القاعة لا يفلت مُدان.
التعليقات مغلقة.