على من أرفع الكفين
وائل هيبة
رَجعتُ البيتَ فى يومٍ على وجهي
غبارُ الشارعِ الملآنِ بالآمالِ يغمرني
وكانَ هناكَ عندَ البابِ سياره
تسدُ البابَ فى الحاره
وفوقَ سريري المكسورِ
كانت تجلسُ إمرأةٌ
وكان جوارها رجلٌ
ويلبسُ حلةً بيضاءَ ناصعةً
وشالاً فوقهُ طوقٌ
أشاهدُ مثلهُ فى بعضِ أحيانٍ
على تلفازِ جارتنا
وفى يمناهُ يمسك سرةً
سوداءَ قاتمةً
وبالأموالِ يملأها
وعين أبي
بكل شراهة الحرمانِ ترقبها
وفى يسراه جوهرةٌ يقلبها
فقال أبي لأمي
قربي منها
فقالت بعض كلماتٍ
كأنى الآن أسمعها
وقالت إنني
فى الغدِ سوف أكون رائعةً
وهذا الكهلُ سوف يكون لى زوجا
سأملك عرش مملكةٍ
وفيها كل ما أهوى
وصرت إليهِ والأفراحُ خائفةً
وسرت إليهِ
والآمالُ فى ريبٍ مهلهلةً
فإني بنتُ عاشرةٍ
ولا أدري
وإن أزهرتُ فى جسدٍ
وبانَ الحسنُ فى صدري
وحين دخلت وكرَ الذئب طاردني
وأمسكني
وأسقطني
ومزقني
ليرقص بين أشلائي
أظافره
تجرح كل أجزائي
ولولا أن أسناناً له سقطت
لمزق كل أحشائي
وبعد الذبح ألقانى مفارقةً
لعنواني وأسمائي
ونام كجيفةٍ عفناء فوق الأرضِ منتفخاً
وصوت شخيرهِ
يعلو الذى قد كان من نزعي
وحين أفاق ألقاني إلي أمي تمرضني
فقالت إننى قد إمتُ من زوجٍ
وذاكَ الزوجُ طلقني
ويا عجبي
أهان عليك يا أمي
ويا أبتي
أنا من كنت أغسلُ عنكما الأرجلْ
ولا أرضى لأمي ان ترى المرجل
أنا والله كنت أحبُ كسرتكمْ
وكنت أريد فاكهةً
ولو في العام مراتٍ قليلاتٍ
ولا أكثرْ
وكنتُ أكد والكفان في ألمٍ
ولا أشكي
وما طالبتكمْ أبداً بمدرسةٍ
وكم تاقت لها نفسي
فكيف ألاقى الأطفالَ
بعد اليومَ كي ألهو
وأهل القريةِ الحمقاء
بالعزباءِ لن يرضوا
سأبقى الآن
قيد الحجرةِ الخشبيةِ الصغرى
فلا لى بينهم شمسٌ
ولا لى بينهم قمرٌ
فلا تتظاهرى بالحزن يا أمي
فإنكِ من أعدَّ الذبحَ قرباناً
إلى صنمٍ فلا تبكي
وهيا وفرى دمعاتكِ الحمقاء
فى زيفٍ لفاجعتي
وإنى أحسبُ الأقدارَ
إن جاءتكِ ثانيةً
بمن يعطيك لي ثمناً
فأنت إليهِ بائعتي
وحتى دعوةَ المظلومِ
ما عادت بمقدرتي
ومنها أنتِ مانعتي
على من أرفعُ الكفينَ يا أمي
ويا أبتي
التعليقات مغلقة.