عمر الدم ما يبقى مية
بقلم سامح خير
بدأت القصة منذ حوالى عامين حين أرسل لى إحدى أصدقائى المقيمين بأمريكا رسالة على أحدى وسائل التواصل الأجتماعى بأنه يريدني فى أمراً عاجل و أنه فى إنتظار تليفوني له فى أسرع وقت ممكن، و هو ما كان، حيث قمت بالإتصال به فور إنتهائى من عملى، فوجدت صوته مضطرب على غير عادته فهو الذى كان دائم المزاح و المرح فى كل الأوقات و قال لى : أنه محتاج مساعدتى فى أمر بالغ الأهمية…
بدأت بالإنصات له و حكى لى ان والدته بمصر حاليا، مصابة بمرض السرطان و حالتها حرجة جداً و لها طلب واحد تتمناه هذه الأيام، فأجبته ياليتنى أستطيع المساعدة، فبدأ يحكى لى أن والدته لم ترى أختها منذ أكثر من ٣٥ عاماً ( لم اسأل عن الأسباب ) و طلبها هذه الأيام أنها تريد رؤية أختها، و كان سؤالى و كيف لى بالمساعدة و انا لست أقيم بمصر حالياً ( أقيم بأحدى دول الخليج ) و هو يعلم هذا جيداً، فأجابني بأنه سأل الكثيرين فى بلدته عن خالته و أسرتها و لكن لم يستطع الوصول اليهم و كانت المعلومة الوحيدة التى حصل عليها بأن أبنها يعمل بنفس البلد التى أقيم أنا بها!!
و بدأت رحلة البحث عن هذا الشخص فى وسط حوالى النصف مليون مصرى العاملين بهذه الدولة، فقمت بإرسال الاسم الثنائي لهذا الشخص على كل وسائل التواصل الإجتماعى التى أشترك بها موضحاً بأنى أبحث عن هذا الشخص لغرض إنسانى بحت…
أرسلت اول رسالة على مجموعات ( الواتس آب ) يوم الثلاثاء مساءً و خلال يوم الأربعاء وجدت أن رسالتى قد أنتشرت كالنار فى الهشيم و أصبحت هذه الرسالة موضوع حديث الكثير من المصريين فى هذا اليوم فالكل يسعى للوصول لهذا الهدف…
وصلت مكتبى يوم الخميس صباحاً فى حوالى التاسعة فإذا بىّ أجد رسالة تصل إلىّ من خلال تطبيق Facebook Messanger من اسم وهمى و نص الرسالة ” أنا من تبحث عنه ” فأرسلت له رقم هاتفي و طلبت منه أن يحدثنى و على الفور هاتفني فشرحت له أن ابن خالتك …..” الذى لم يكن يعرف اسمه” يبحث عنك بأى طريقة لان خالتك “التى لم يكن يعلم انها مازلت على قيد الحياة” على فراش المرض و سؤل قلبها هى رؤية أختها الوحيدة.
حاولت السيطرة على فضولي و طلبت منه الإتصال بإبن خالته فى أسرع وقت ممكن و تركت له رقم تليفونه… و قمت بإرسال رسالة لصديقى بأنى فى مرحلة البحث… و لم أرد أن أخبره بأنى وجدت ضالته لأنى لم أمتلك الثقة بأن هذا الشخص سيتواصل مع صديقى… و إذا بالمساء أستلم رسالة من صديقى بأن بنت خالته”أخت الذى هاتفني ” تواصلت معه لأول مرة فى حياتهما و شكرنى شكراً لا يوصف …
مر أسبوع أو أكثر ، فقررت أن أتصل بصديقى لأطمئن على والدته المريضة، فإذ به يفاجآنى بقوله لى أن خالته نزلت مصر خصيصاً لرؤية أختها الوحيدة و هى على فراش المرض و قال لى بالحرف الواحد ” أنت مش عارف انت عملت ايه ، بس يمكن فى يوم من الأيام حتعرف “…
أكتبها الآن و كم كُنت أتمنى حضور هذا المشهد الدرامى الذى جمع الأختين بعد أكثر من ٣٥ عاماً… أرى يديهما مشتبكتين ببعضهما، أسمع آنات قلبيهما و ندمهما على عُمر مر فى فراق، ألمح دموع عيونهما تغسل خلاف قديم و نظرات متبادلة تحكى ما لا تقوى الألسن على شرحه …
ستمر الأيام و السنون و سيظل حب الأخوة لبعضهما نهر متجدد مهما بُنيت سدوداً او حاول البعض تجفيف مياهه …
التعليقات مغلقة.