عمر بن الخطاب والغرور مقارنته مع غيره ظالمة بقلم / سيد جعيتم
صعد الخليفة العظيم أمير المؤمنين/ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- المنبر يوما، تجمع الناس في المسجد، قال:- أيها الناس، لقد رأيتني وأنا أرعى غنم خالات لي من بني مخزوم، نظير قبضة من تمر أو من زبيب.
استغرب سيدنا عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- مما قاله الخليفة فما قاله يحط من شأنه وهو الخليفة حاكم كل بلاد المسلمين، انتظر حتى نزل عمر عن المنبر فوجه حديثه إليه:
ماذا قلت يا أمير المؤمنين،
ماذا أردت بهذا الكلام ؟
فقال عمر:
ـ ويحك يا ابن عوف، خلوت بنفسي فقالت لي-( أنت أمير المؤمنين، وليس بينك وبين الله أحد، فمن ذا أفضل منك؟)- فأردت أن أعرفها قدرها.
الله الله يا عمر، لم يطاوع هوى نفسه، لم يغتر وهو الحاكم بأمره، لم تأخذه كبرياء نفسه التي علت للحظة وزهت وحدثته بأنه الأفضل، دخل معها في صراع انتصر فيه ووضعها في قدرها الصحيح، وذكرها بأنه كان يرعى الغنم لأهله علي قراريط نظير أجر ،وكان الناس ينادونه عمير، ما أعظم من تربوا على يد رسول الله صلي الله عليه وسلم .
حرص عمر دائما أن يذكر نفسه ويذكر المسلمين فيقول : ـ لقد كنا ولسنا شيئاً مذكوراً حتى أعزنا الله بالإسلام، فإذا ذهبنا نلتمس العزَّة في غيره أذلنا الله.
وكان يردد دائماً :
ـ ما تقول يا عُمر لربِّك غداً ؟ لماذا أعطيت؟ لماذا منعت؟ لماذا تجهَّمت؟ لماذا ابتسمت؟ لماذا رضيت؟ لماذا غضبت؟ لماذا طلَّقت؟ لماذا خاصمت؟ .
وفي إحدى المرات بعد أن حكم بين المسلمين وعاقب أحدهم بضربه، فسارع عمر بإعطاء الرجل مخفقته التي ضربه بها وقال له :
ـ خذ واقتص لنفسك مني .
قال الرجل:
ـ لا والله، ولكني أدعها لله ، وانصرف .
عاد عمر لبيته مهمومًا حزينًا، أخذ يحاسب نفسه :
ـ ابنَ الخطاب كنت وضيعاً فرفعك الله، كنت ضالاً فهداك الله، كنت ذليلاً فأعزَّك الله، ثم حملك على رقاب الناس، فجاءك رجل يستعين بك فضربته، فماذا تقول لربك غداً.
زار حفص بن أبي العاص سيدنا عمر وهو يتناول طعامه، عزم علي ضيفه، نظر حفصًا لطعام أمير المؤمنين، وجده قديداً يابساً ، اعتذر شاكراً، فقال له سيدنا عمر:
ـ ما يمنعك من طعامنا؟.
فقال حفص:
ـ والله إنه طعام خشن.
فقال سيدنا عمر:
ـ أتراني عاجزاً أن آمرًا بصغار الماعز فيلقى عنها شعرها، وآمر برقاق البر فيخبز خبزا رقاقاً، وآمر بصاعٍ من زبيبٍ فيلقى في سَمن، حتى إذا صار مثل عين الحجل صُبَّ عليه الماء فيصبح كأنَّه دم غزال فآكل هذا وأشرب هذا، والذي نفسي بيده لولا أن تنقص حسناتي لشاركتكم في لين عيشكم، ولو شئت لكنت أطيبكم طعاماً، وأرفهكم عيشاً.
في عام الرمادة سنة 18هـ أصاب المدينة ومن حولها قحط وجدب وجوع وعز الطعام كان عمر لا يأكل إلا الخبز ويغمسه بالزيت، فيسمع قرقرة بطنه فيحدثها:
ـ قرقر أيها البطن ، أو لا تقرقر ، فو الله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين.
وعندما اعترضت السيدة / خولة بنت ثعلبة وكانت عجوز موكب عمر الفخم وهو فوق حمارته واستوقفته طويلاً وأخذت تعظه فتقول :
ـ يا عمر، عهدتك وأنت تسمى عميراً في سوق عكاظ ترعى الصبيان بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ثم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف بالموت خشي الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب.
فغضب منها أحد المرافقين فقال لها في غضب:
ـ قد أكثرت أيتها المرأة العجوز على أمير المؤمنين.
فقال عمر بن الخطاب :
ـ دعها هذه خولة التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات وعمر أحق والله أن يسمع لها .
نعم هذا هو عمر المنتصر الذي وصل القدس دون موكب راكب ناقة يتناوب ركوبها هو وخادمه ، كل منهما يركب ساعة ثم يسيران ساعة لتستريح الناقة ،وعندما وصلوا بيت المقدس كان دور الخادم في الركوب فدخل عمر ماشياً ، قال له قائد الجيش أبو عبيدة بن الجراح: يا أمير المؤمنين لو أمرت بركوب، فإنهم ينظرون إلينا ، فقال سيدنا عمر :
لقد كنا أذلة فأعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا عزاً بغير الإسلام أذلنا الله .
كان يستطيع أن يدخل مدينة القدس رافع سيفه وراكب الخيل المطهمة.
نعم هذا هو عمر الذي يخاف منه الشيطان
روى البخاري (3294) ، ومسلم (2396) عن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ ) .
وروى الترمذي (3691) وصححه ، عَنْ عَائِشَةَ، أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ )
رحمك الله يا عمر فأنت تلبية
لدعاء رسولنا صلى الله عليه : ( اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ وَكَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ عُمَرُ ) أخرجه الترمذي
التعليقات مغلقة.