عمو عوني جه بقلم / دعاء أحمد شكري
لأول مرة أشرب قهوتي الصباحية ، و أعد لهذا اليوم من دون جارتي حكمت ، تلك العذراء الخمسينية رحمها الله ، تذكرتُها و هي تشرب قهوتها الصباحية معي ، و حينها حكتْ لي عن بشاعة العاملين في ملجأ الأيتام الذي تطوعت للعمل فيه ، فهم ينهبون من الأموال التي تأتي باسم الأيتام المساكين ، كما يطمعون في الملابس التي يتبرع بها المقتدرون ، وحين أخبرتني أنها لا تريد مواجهتهم خشية أن تلدغ من جحر الشياطين ، وفكرتْ في تركهم ، لُمتها
- أترضين بغرق هؤلاء الأبرياء ، و في يدك أن تكوني طوق نجاة لهم ؟!
بعد أن صار في يدها مستندات تدين هؤلاء الشياطين ، ظهرتُ أنا كالقدر في ساحتهم ، و نبهتُ العيون الغافلة عنهم ، ومنذ أن رأيت هؤلاء الأبرياء ، اعتدتُ الاحتفاء بيوم اليتيم .
تنفستُ الصعداء و أغلقتُ باب الذكريات ، مرتْ ساعات و قد انتهيتُ من إعداد ما يحتاجه الاحتفاء ، هلوا عليّ كالعيد ، و بعد لحظات من مجيئهم ، أُطفأت و أضيئت أنوار الفيلا فجأة ، و الأطفال ينظرون حولهم بلهفة ، فظهرتُ لهم من خلف برواز كبير مرتديا زي ( بابا نويل ) ، حاملا هدايا الدفء و السعادة لهم ، هتفوا مهللين : - عمو عوني جه ، عمو عوني جه .
احتضنتهم بعينيَّ فاردا ذراعي ، كما احتووني بحنان ، رحبت بهم ، وزعت عليهم كسوتهم ، كلٌ حسب مقاسه ،عمَّت سعادتهم ، لكن أتتْ الظروف بما لا نشتهي ، دق باب الفيلا بعنف ، فتحتُ فإذا بأولادي الثلاثة ، هبوا كالرياح العاتية ، راحوا ينهرونني ، فبادرتُهم ببسمة هادئة - أهلاً ببذوري التي رعيتها بحنان ، و سقيتها بعرق كدِّي و سهري ، بذوري التي نضجت و ترعرعت ، واستحالت إلى قرع تمدد في بلاد الغرب ، تاركين بستانكم ، فكيف تدركون أنني في حاجة للرعاية ، و لم تعهدوني إلا راعيًا دائمًا ، و لم أشكُ يومًا ، ماذا أتى بكم ؟ ، لم و لن أكف عن إرسال مصروفكم المبالغ فيه !! ، و لم أمت بعد .
فرتْ دمعاتي خلسة ، مسحها أحد الأطفال ، كان مختبئا في حضني ، أشرتُ نحو الباب مكملاً - اطمئنوا .. إرثكم يزيد ببركة هؤلاء الأبرياء ، عودوا من حيث أتيتم ، و لا تقتحموا سعادتي مرة أخرى ، إلا إذا شاركتموني إياها .
انصرفوا صاغرين ، تاركين غصةً في قلبي كادت تقتلني ، لولا أن أنجدتني الأنامل الرقيقة تهز ذقني : - عمو عوني ، عمو عوني .
- نبضات عمو عوني .
التعليقات مغلقة.