عن الطائفية اللبنانية …د.على الحفناوى
في ظل حكم مصر لبلاد الشام لفترة دامت عشرة أعوام من عام 1831 إلى عام 1841، كانت بلاد الشام (سوريا ولبنان وفلسطين) تنعم بشئ من الاستقرار لتفضيل سكانها للحكم المصرى على الحكم العثمانى. وبعد اضطرار محمد على للانسحاب إلى داخل الحدود الأفريقية تحت ضغط حكومات أوروبية وعلى رأسها إنجلترا (مؤتمر لندن 1840)، قام السلطان العثمانى عبد المجيد الأول بإعادة تعيين والى تركى مع توجيهه للسيطرة على الناس بأسلوب التفرقة من أجل السيادة… إلا أن تلك التفرقة كانت تمثل مخاطرة كبيرة، إذ أن اللعب بعواطف الطوائف والملل كان كاللعب بالنار.
ومع استخدام شعار زائف للديمقراطية وتطبيق المساواة بين الطوائف، وجد عرب الجبال اللبنانية أنفسهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الدنيا في حين احتفظ الأتراك والأقليات المسيحية بامتيازات الطبقة العليا.
وفى عام 1858، ثار الفلاحين من طائفة الدرز المتواجدين على مرتفعات لبنان ضد الاضطهاد الذى كان يمارسه الحكمدار المارونى، وتحولت المواجهات الكلامية بين الطائفة الدرزية والمارونية إلى مواجهة مسلحة عنيفة في 1860، راح ضحيتها عدة آلاف في لبنان وامتدت لتشمل المدينة الكبرى دمشق في سوريا حيث قتل أكثر من خمسة آلاف شخص في يوم واحد في 9 يوليو 1860.
كان الأمير عبد القادر الجزائرى، المجاهد الذى حاول منع الفرنسيين من احتلال الجزائر، مقيما كلاجئ سياسى مع نحو خمسة عشر ألفا من أتباعه الجزائريين والتونسيين في دمشق يوم المذبحة الشهيرة. ويذكر أنه امتطى جواده مع أتباعه لمحاولة فض الخلاف بين الطوائف المسلمة والمسيحية أو اليهودية، ولكنه لم ينجح في منع الاقتتال.
وفى فرنسا، تأثر نابليون الثالث بأنباء المذابح والحرب الأهلية في بلاد الشام، فقرر ارسال قوة عسكرية إلى بيروت قوامها سبعة ألاف جندي لحماية الطوائف المسيحية. اعتمد نابليون على معاهدة قديمة كانت قد وقعت من قرون بين الملك الفرنسي “فرنسوا الأول” والسلطان العثمانى الشهير “سليمان القانوني”. كانت هذه المعاهدة تنص على التزام الأتراك بحماية المسيحيين من اضطهاد المسلمين، وإلا فيسمح لفرنسا بالقيام بحمايتهم بنفسها… ومن هنا بدأ مبدأ التواجد الفرنسي في لبنان ساريا حتى يومنا هذا.
أما الخلافات الطائفية التي أشعلها العثمانيون حتى يتمكنوا من السيطرة على الشام، فقد أوقدوا بها نارا لم تنطفئ حتى الآن… هكذا مارست دولة الخلافة دورها للهيمنة على مستعمراتها في فترات ضعفها.
التعليقات مغلقة.