عن القصة في القرآن الكريم بقلم مجدي سالم

عن القصة في القرآن الكريم بقلم مجدي سالم

في يوم القرآن الكريم.. أقدم مثالا.. ولا شيء يعدل قصة يوسف.. فالله وصفها بإنها “أحسن القصص”.. وبلسان عربي مبين.. تفضل..
إن تحدي القرآن للبشر يتمثل في مطلع القصة.. حيث يصفها الله بإنها وحي السماء وبإنها ” أَحْسَنَ الْقَصَصِ “.. وفي موضعين بالسورة يذكر بإنه لا الرسول ولا من معه كانوا يعلمون من القصة قبل نزول السورة.. من سورة يوسف –
” نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ “.. ومن سورة يوسف أيضا ” ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ “..
إن السورة لا تقتصر على وصف أحداث القصة.. إنها تتفرد بين سور القرآن باحتوائها على عالم متكامل من العبر والحكم.. عن تجاوز يوسف النبي وعفوه وصبره.. وعن تجاوز يعقوب وعفوه وصبره.. تتحدث عن الأنبياء والصالحين.. تقص من أنباء الملوك والممالك.. تتحدث عن العفة والغواية.. عن مكر النساء.. وفي السورة يأتي فقه الدين وتوحيد الله.. كما يأتي تفسير الرؤى واستقراء المستقبل.. وهي غنية بالمشاعر وبوصف انفعالات البشر.. إنها تملك على القاريء مشاعره حين يلتحم المضمون والصياغة والشكل ليصل به في كل لحظة إلى الهدف الأسمى من القصة.. إلى الإيمان بقوة مدبر هذا الكون وبقدرته ونفاذ حكمه.. من سورة يوسف – ” وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ “..

إن القصة تقدم كل هذا بشكل حاسم.. وبنعومة وإعجاز يفوق الوصف.. وشكل معجز آية في العجب.. صورا متعاقبة مثل فيلم سينيمائي معجز.. يسلمك من مشهد إلى آخر.. ويجيء النقل والقطع موحيا ذكيا مثيرا للخيال.. وثمة فجوات فنية مقصودة تترك لخيال القاريء أن يكملها هو.. وثمة عمق في كل مشهد يعجز أي فنان بشري أن يأتي بمثله.. يأتي كل هذا في إيجاز وبألفاظ موحية كاملة الدلالة.. ناهيك عن رسم الشخصيات وروعة الحوار والوقفات ووصف المكان ووصف الأحاسيس.. إن المشاهد السينيمائية تنقل القاريء بين الحاضر والماضي والمستقبل وتقدم الأحداث وتؤخرها وتحكم العقدة وتحلها.. وتملي طبيعة القصة وطريقة صياغتها وشكلها على القاريء ثراء الحبكة وتصل به إلى مرفأ الإيمان والإسلام..
إنها لهذا كله وأكثر.. أحسن القصص من وحي السماء وفيض القرآن.. إنها تبدأ بحلم وتنتهي بتفسير ذلك الحلم وتحقق وقائعه.. من سورة يوسف – ” وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا “..