عواقب الغيبة والنميمة… محمد الدكرورى
عواقب الغيبه والنميمه
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
لقد أمركم الله عز وجل ، بتقواه وبالقول السديد، ووعدكم على ذلك بالمغفرة وإصلاح الأحوال والتوفيق والتسديد ، فمن اتقاه بفعل الأوامر واجتناب النواهي فقد فاز فوزاً عظيماً، ومن ضيع تقواه واتبع هواه بغير هدى من الله أعد له عذابا أليماً، ومن استقام على التقوى ولزم في منطقِه القول السديد هُدي إلى الطيب من القول وإلى صراط الحميد.
وقد رتب الله سبحانه وتعالى ،على هذين الأمرين خير الدنيا والآخرة، وأنعم على من قام بهما بالنعم الباطنة والظاهرة ، من اتقى الله وأعْمَل لسانه بذكر الله، واستعمل الخلق الجميل مع عباد الله ، جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب, ومن اتقى الله ولزم القول السديد يسره الله لليسرى، وجنبه السوء والعسرى، وغفر له في الآخرة والأول .
وأن رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، قال: “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟! اللهم فاشهد”. متفق عليه ، فاحفظوا ألسنتكم من هذه الغيبة الشنيعة ومن هذه المعصية الوضيعة، فقد فاز من حفظ لسانه من الزلات، وألزم جوارحه بالطاعات، فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ” من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنة “. متفق عليه.
وإن من الظواهر الخطيرة الطوام والآفات الكبيرة في مجالسنا: الغيبة، والمقصود بها ذكرك أخاك بما يكره في النيل من عرضه، والكلام من خلفه بما لا يرضاه في بدنه أو نسبه، أو في خلقه أو فعله أو قوله، أو في دينه أو دنياه، أو في ثوبه وداره ودابته .
فالغيبة والنميمة صاحبها منقوض وعلى غير الجميل يموت، تنفر منه القلوب وتكثر فيه العيوب ، فقد نهى الله عنها وشبه فاعلها بصورة مكروهة للإنسان وينفر منها طبعه ، وهذا النهي في غاية التنفير من الغيبة، وحين يشبّه الله المغتاب للمسلم بمن يأكل لحمه ميتًا، فإن كان المغتاب يكره أكل لحم أخيه وهو ميت وينفر من تلك الصورة فلا يأكل لحمه وهو حي بالغيبة والنميمة، فإن الغيبة كأكل لحمه ميتًا، ولو تفكر المسلم في هذا التشبيه فقط لكان زاجرًا عن الغيبة كافيًا في البعد عنها.
وإن كبائرَ الذنوب هي سبب كل شقاء وشر وعذاب في الدنيا وفي الآخرة، وشر الذنوب والمعاصي ما عظم ضرره، وزاد خطره ، وإن من كبائر الذنوب والمعاصي الغيبة والنميمة، وقد حرمها الله عز وجل ، في كتابه وعلى لسان رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنها تفسد القلوبَ، وتباعد بينها، وتزرع الشرورَ، وتورِث الفتن .
وتجر إلى عظيمٍ من الموبقات والمهلكات، وتوقع بصاحبها الندمَ في وقت لا ينفعه الندم، وتوسع شقةَ الخلاف، وتنبت الحقدَ والحسد، وتجلب العداواتِ بين البيوت والجيران والأقرباء، وتنقص الحسناتِ، وتزيد بها السيئات، وتقود إلى الهوان والمذلَّة.
فالغيبة فشا ضررها وكثر خطرها وصارت مائدة لمجالسنا وفاكهة لمسامراتنا وتنفيس الغير وتنفيس الغضب والحقد والحسد، وقد يظن المغتاب أنه يستر بالغيبة عيوبه، وأنه يضر من اغتابه، وما علم أن أضرار الغيبة عليه، فالمغتاب ظالم والمتكلم فيه مظلوم.
وأما النميمة فهي أشد ضررًا لنشرها الشرور والكذب والوقيعة بين الناس، سواء كان الكلام المنقول صدقًا أم كذبة أم حتى مزاحًا يؤثر في القلب، ويوم القيامة يوقف النمام والمغتاب بين يدي الله الحكم العدل، ويناشد المظلوم ربه مظلمته، فيعطي الله المظلوم من هذا المغتاب والنمام الظالم حسنات .
أو يضع من سيئات المظلوم فيطرحها عليهم بقدر مظلمة الغيبة والنميمة في يوم لا يعطي والد ولده حسنة، ولا صديق حميم يعطي صديقه حسنة، كلٌّ يقول: نفسي نفسي، ومن أراد الأجر فليدفع عن أخيه الغيبة والنميمة.
وكبائر الذنوب سبب كل شقاء وشر وعذاب في الدنيا والآخرة، وشر الذنوب والمعاصي ما عظم ضرره وزاد خطره، وإن من كبائر الذنوب والمعاصي “الغيبة والنميمة”، وقد حرمهما الله في كتابه وعلى لسان رسوله لأنها تفسد القلوب وتزرع الشرور وتورث الفتن وتجر إلى عظيم من الموبقات والمهلكات، وتوقع بصاحبها الندم في وقت لا ينفعه الندم، وتوسع شقة الخلاف، وتنبت الحقد والحسد وتجلب العداوات بين البيوت والجيران والأقرباء وتنقص الحسنات وتزيد بها السيئات وهي من الكبائر.
داء من أفسد الأدواء وأفتكها بالأفراد والمجتمعات، ويجلب الشر ويدعو إلى الفرقة ويوغر الصدر ويثير الأحقاد، ويحط بصاحبه لأسفل الدركات، وينشر بين الناس الكراهية والأحقاد، ولذلك حذّر الله ورسوله منه، ولكنه مع الأسف شاع بيننا وأصبح فاكهة نزين بها مجالسنا، وقليل منا مَن يسلم من الوقوع به، بل يمارس ولا تجد من ينكر عليه، وقد تجد عابدًا متصدقًا محسنًا وصاحب سنن وحضور جنائز وصدقة لكنه يقع بالغيبة والنميمة والبهتان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وإن الله تعالى خلق لك اللسان نعمة منه وفضلاً ، وخلق لك اللسان لتكثر به من ذكره تعالى وتلاوة كتابه ، وترشد خلق الله تعالى إلى طريقه، وتظهر به ما في ضميرك من حاجات دينك ودنياك ، فإذا استعملته في غير ما خلق له، فقد كفرت نعمة الله تعالى فيه ، واللسان من أهم وأعظم نعم الله من أعضائك عليك وعلى سائر الخلق، ولا يكب الناسَ في النار على مناخرهم إلا حصائدُ ألسنتهم ، فاحذر أن يكبك الله في قعر جهنم بسبب لسانك.
ومعنى الغيبة هو ذكرك المسلم بما يكره حال غيبته، فقال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ” أتدرون ما الغيبة؟”، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: “ذكرك أخاك بما يكره”، قيل: أرأيت إن كان في أخي ما يقول؟ قال: “إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته”، أي إن كان متصفًا بهذه الصفة التي ذكرتها وهو لا يحب ذكرها، “إن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته”. رواه مسلم.
أي إن كان فيه ما تقول فقد وقعت في الغيبة المنهي عنها، وإن كان بريئًا فقد افتريت عليه واعتديت على عرضه وشخصه، وما أكثر البهتان اليوم بالوشاية واتهام الناس بما ليس فيهم والسعي للإفساد عليهم، ولا نستثني من ذلك أحدًا إلا من رحم الله.
وإن الواجب عليكم إذا سمعتم من يغتاب إخوانه من المسلمين أن تمنعوه وتذبوا عن أعراض إخوانكم ، ألستم لو رأيتم أحداً قائماً على جنازة رجل من المسلمين يأكل لحمه، ألستم تقومون عليه جميعاً وتنكرون عليه ، إن الغيبة كذلك تماماً .
وعن أبي موسى رضي الله عنه ، قال: قلت: يا رسول الله: أي المسلمين أفضل؟ قال: “من سلم المسلمون من لسانه ويده”. رواه مسلم ، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه ، قال: قلت: يا رسول الله: “ما النجاة؟ ، قال: “أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك”. رواه الترمذي .
ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدروهم، فقلت: “من هؤلاء يا جبريل؟ قال: “هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم”. رواه أبو داود.
فالغيبة والنميمة كبيرة من الكبائر، زيّنها الشيطان للإنسان فوقع في شراكه ومكره، وظلم الإنسان بها نفسه، وكم من ظن سيئ ظننت به أخاك المسلم من كلام سمعته أو غيبة حضرتها له ثم نقلتها ولم تتثبت مما قيل فيه، فشاركت هؤلاء بالإثم.
والنميمة أشد خطرًا من الغيبة ، لأنها تورث الفتنة والضغينة وتفرق بين المتآلفين وتباعد بين الإخوة والأقارب وتفرق بين الأصحاب والزوجين، ولو نظرت في أكثر الخلافات بين الناس اليوم لوجدت أن الحطب الذي يضرم نارها هي النميمة التي ينقلها الناس فيما بينهم، وهي تؤدي إلى الفساد والإفساد، وما علم هؤلاء أن من نمّ لك نمّ عليك، ومن نقل لك خبر سوء سينقل عنك مثله.
وإن الغيبة ليس مدارها على اللسان فحسب ، بل إن الأذن شريكة للسان في هذه المهمة الممقوتة ، فاحفظ أذنك عن أن تصغي بها إلى البدعة، أو الغيبة، أو الفحش، أو الخوض في الباطل، أو ذكر مساوىء الناس؛ فإنما خلقت لك لتسمع بها كلام الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكمة أوليائه، وتتوصل باستفادة العلم بها إلى المُلك المقيم ، والنعيم الدائم في جوار رب العالمين ، فإذا أصغيت بها إلى شيء من المكاره صار ما كان لك عليك، وانقلب ما كان سبب فوزك سبب هلاكك، وهذا غاية الخسران.
ولا تظن أن الإثم يختص به القائل دون المستمع ، ففي الأثر قيل : إن المستمع شريك القائل وهو أحد المغتابين ، فاحذر أيها المسلم منها ، واشتغل بعيبك عن عيب غيرك ، وفتش عن نفسك هل أنت سالم ، فربما تعيب الناس وأنت أكثرهم عيباً ، وإن كنت صادقاً في قولك ، مخلصاً في نصحك ، فوجدت في أخيك عيباً فإن الواجب عليك أن تتصل به وتناصحه.
فقد ورد أن السيده عائشة رضي الله عنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية أنها كذا وكذا ، تعني قصيرة، فقال عليه الصلاة والسلام: ” لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ ” ولقد قال صلى الله عليه وسلم ، وهو واقف بعرفة يخطب الناس في خطبة الوداع ” إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ” .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يا معشر ممن ءامن بلسانه ولم يدخل الايمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فانه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته ” رواه ابو داود .
التعليقات مغلقة.