عيش .بقلم.محمدكسبه
يا إلهي ما هذا ؟ كل أصابع الاتهام هذه تشير إليَّ ، كل الأعين تنظر نحوي بغضب .
ماذا أفعل ؟ كيف أقنعهم بأني برئ و لست متهماً ، سأحاول أن ادافع عن نفسي و عن زملائي لعل صوتي يصل لأسماعهم ، تأهبت و استجمعت كل قواي و ها أنا من فوق قفص الاتهام أعلنها صريحة ، يا قوم أنا ضحية مثلكم تماما ، لا دخل لي بما يحدث ، فقد تعرضت لأشد أنواع التعذيب و القهر التي لا يتحملها بشر ، من أجلكم أنتم ، أنا أضحي من أجل الفقراء ، من أجل أبناء بلدي فهل يشفع لي أحد ؟ هل ينصفني أحد ؟
نظرت إليهم جميعاً ، لعل و عسى ؛ لكن لا جدوى ، الضجيج يعلو و الغضب مستمر ، الكلمات يطلقونها في وجهي كطلقات المدافع ، نظر إليَّ أحدهم و قال : إنه لا يساوي شيئا !
و رد عليه الآخر : إن حجمه صغير جداً !
و ابتسمت إمرأة و قالت : لا يكفيني عشرة منه فأنا شهيتي تريد المزيد .
كل ما سمعته ازعجني و ضايقني جداً ؛ لكن حق الرد مكفول للجميع .
مهلاً مهلاً أيها السادة الأحباء ، أنا أحبكم و دائما عونا لكم ، أنا نصير الفقراء ، أنا الأب الروحي لمحدودي الدخل ، ما حدث من غلاء لا دخل لي به ، اسألوا حكومتكم الموقرة ، أنا في أرضكم نشأت من بذرة صارت نبتة مدت جذورها في شقوق الأرض ، شربت من مياه النيل العظيم فإشتد عودي يوما بعد يوم ، و أصبح الساق فتياً ، متضرعاً للسماء ، ألهو مع النسيم ليلاً و أتمايل في ضوء القمر ، و مع أول ضوء للشمس أصنع غذائي بنفسي ، فأنمو قليلاً قليلاً ، و هذا الفلاح أذكره فكم رعاني و كم ساعدني حتى ظهرت سنبلاتي الخضر التي تعجب الناظرين ، ثم ثقلت السنبلات و اكتست باللون الذهبي معلنة موسم الحصاد .
أنا قصة إعجاز ، أرجوكم دعوني أشرح موقفي ، كفاكم اتهامات لي .
رغم أنه مفوض من قبل زملائه بالحديث نيابة عنهم ، إلا أن لا أحد يسمعه و لا أحد يريد أن يفهمه ، الكل ينظر إليه بغضب و هو يعلم ، لكنه استطرد حديثة .
قائلا : بعد تلك الحياة الجميلة في المزارع و الحقول جاء موسم الحصاد و فقدت ثوبي الذهبي الجميل ، و تم التخزين في صوامع حيث الضيق و الزحمة و الظلام كنا كأننا في قبور كلنا فوق بعضنا البعض ، حتى جاء موسم الطحين و اختلطنا معا فأصبحنا نخالةً و دقيقاً ناصع البياض و لم تكن هذه نهاية الرحلة بل كانت أيها السادة بداية المعاناة ، حيث تعرضنا بعدها للعجن كلما حاولنا أن نفيق وضعوا فوقنا الماء فأصبحنا معاً كتلة عجين واحدة تم تقطيعها و فردها ، و ليصبح كل منا رغيفا طازجاً دخلنا الفرن حيث الحرارة العالية ، و ها نحن أمامكم بعد رحلة طويلة من العذاب و الألم ، أرغفة جميلة تسر العيون ، لا دخل لنا بالحجم و لا بالأسعار و لا بالغلاء .
بمجرد أن انتهى الرغيف من مرافعته أمام زملائه أخذه أحدهم مع بضعة من زملائه و وضعه في الكيس ، فظل يهتف عيش … حرية .
التعليقات مغلقة.