عُرس بالسحاب
بقلم راوية حسين
ذات يوم من أيام الشتاء الدافئة , أخذتني قدماي إلى ريف بلدتنا بساعة العصاري ، وكنت حينها ابنة العشرين ربيعًا ، وفي لحظة تأمل توسدتُ فيها الخضراء , نظرت للسماء التي امتلأت بالسحب والتي كدت أرسم فيها حُلمي الوردي البرئ , حين رأيتها تلك الأميرة الحالمة وهي تنظر إلي فتاها في دهشةٍ , والفأس في يده وكأنه يثأر به للحياةِ في الأرض , فكلما ارتفعت يده بفأسه لترتفع معها هامته ؛ صرخت الأرض توسلًا , ثم تبسمت بثمارها إذا مال مهدهدًا لها بضربته العفية .
هامت الأميرة بشغاف قلبها الشفيف ترنو إليه , لكنها أبت لأن تدنو منه على هيئتها فأسرعت بارتداء ثوب الفلاحة التي تحتفي بها الحقول معلنة النماء بخطواتها , وإذا بقلب الفتى يخفق حين أمسكت بدلوها وتبخترت في زهوها تسقي الصبايا والفتيان من حوله , فراح ليقطف لها أينع الزهرات مسرعًا ليلحق بها , وعندئذٍ ؛ تبسمت وأدلت بدلوها في كفيه بجرعة ماء سرعان ما عادت لشفتيها ؛ فارتوى قلبها . وهنا باغتتها الصبايا وهي تلتف حولها بثوب الزفاف , كما كان الفتية هناك يُعِدون فتاهم بزي العُرسِ ,
وتلألأت النجوم وكأنها تنشد مع الدفوف والمزمار بلحن الحب , ورفرفت الحمائم فوقهم طربًا ، تراقصت الفرس , تمايلت الأشجار وتهادت الفراشات رياحين الأزهار, وتبسمتُ أنا حين رأيتُ أشعة الشمسِ تُعيد للسحب سيرتها الأولى قبل أن تمطر بأبطال قصتي على وجنتيَّ بقطرات المطر .
التعليقات مغلقة.