غروب خاص…بقلم فاطمة الرفاعى
هو الليل يجهز رداء جبروته الأسود يستعد لهبوط أرضى.
غروب غريب و غير عادى . اجتمعت السحابات من كل صوب يهمسن فى حزن عميق سرعان ما تحول لسكون تام.
جفون الشمس خاشعة متهدلة .. تحبس دمعة ملتاعة .. ذرفتها في دقائق وغاصت في الماء المالح بقلب مكسور .
البوابات السماوية تفتح في جلال. فالأمر عظيم .
الصغير الذي يشبه الملاك يتمدد فوق رمال الشاطئ مغمض العينين .. يعلو صدره ويهبط بسرعة ،و ينتفض انتفاضات مروعة ، يرفس برجليه ترتفع ذراعاه ثم تهبط ضاربة الأرض بقوة فى حركة متكررة.
الأنفاس مكتومة فى صدره لا هواء يدخل ولا هواء يخرج فقط الماء والرغوة البيضاء تخرج من فمه، وقد تحولت بشرته البيضاء إلى الزرقة الداكنة وشباب كثيرون يحاولون إسعافه .
العيون كلها شاخصه.. فى لحظة طويلة كالأبد ..كاد يتوقف منها قلب الزمن .
.صرخت أمه صرخة شقت كبد السماء، وارتعد لها كل ساكن ومرتاد للشاطئ.
جثت علي ركبتيها ونظرت لولدها نظرة لا تنسى ..ثم رفعت بصرها للسماء
وصرخت صرخة هيسترية وقالت جملة واحدة :
لاء يارب لاء ..عاقبني بأي حاجة لكن ابني لاء
ولطمت خديها لطما شديدا متكررا..وبدأت نساء أخريات في الصراخ والبكاء ، فالصغير. ينتفض انتفاضاته الأخيرة في مشهد تقشعر منه الأبدان .
دقائق مرت، وكأنها عمر .. لحظات بين الحياة والموت
تختصر حكاية من كان هنا وفى ثوان معدودة أصبح هناك
صغير مفعم بالحياة لا يتجاوز السابعة . كان يلهو مع الموج يجرى خلف كرته المحببه فحملها الموج وحمله بعيدا بعيدا .
حملت الأم رأس صغيرهاو وضمتها إلى صدرها، بعيون مذهولة ونظرة مرعبة، اقتربت بوجهها تقبله وتشمه وتلامس بشفتيها شعره الأسود الكثيف .
تمسك بجسده الطرى و تهمس في أذنه بكلمات غير مسموعة
هذا الجسد الذى تمسكه بحنان أغلى هديه جاءتها فى الحياة. ارتبطت بروحها.. ولكن صاحب الهدية استردها فى ثوان .
حضرت سيارة الإسعاف بعد فوات الأوان..حاولوا أخذ الجثة وهى تتشبث بها، فانتزعوا الجسد من حضنها وتركوها تتمرغ فى الرمال ..
وكل شريط الذكريات يعاد فى ثانية واحدة أمام عيونها .
صور الجثامين والأشلاء .. والأطفال والجنود .
، وصوت الانفجارات يدوى فى أذنها و الدماء تسيل أمام عيونها على أعتاب الكنائس والجوامع .
،أصوات لا نهائية تتداخل مع صوت سيارة الإسعاف ..
صورة امراة كالشبح ..هى من أخذتها لهذا الطريق تتحدث إليها
تقول :
أنت لن تفعلى شيئا، هى فقط أمانة نضعها عندك لعدة أيام ثم نأخذها فى سرية تامة، ومثلك لن يشك أحد فى أمره أبدا
نفذت .. وتعامت مع أنها تفهم وتعى
تغيرت حياتها من سيدة بائسة وأم لطفلتين تسكن فى شقة وضيعة تحيط بها قمامة الشارع ويدخلها الفئران.. لحال آخر
أصبح لديها حساب بالبنك بالدولار تتلقى عليه التحويلات، وافتتحت مركزا تجميل للسيدات تشرف عليه، و تتعرف من خلاله على سيدات أخريات تستخدمهن فى ذات النشاط .
ولكنها لم تحسب أبدا أن هذه اللحظة ستأتي ..
كانت تجرى خلف الإسعاف كمجنونة تقع وتقف وتلطم ..بينما هبط الليل
و أبواب السماء. كما هى مفتوحة.
التعليقات مغلقة.